التفاسير

< >
عرض

وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ
٤
-المدثر

أضواء البيان في تفسير القرآن

قد اختلف المفسرون في المراد من كل من لفظتي الثياب، وفطهر هل هما دلا على الحقيقة، ويكون المراد طهارة الثوب من النجاسات؟ أم هما على الكناية؟
والمراد بالثوب البدن، والطهارة عن المعنويات من معاصي وآثام ونحوها أم على الحقيقة والكناية، فقد ذكر ابن جرير وغيره نحواً من خمسة أقوال:
الأول عن ابن عباس وعكرمة والضحاك أن معناه: لا تبلس ثيابك على معصية ولا على غدرة، واستشهد بقول غيلان:

وإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من عذرة أتقنع

وقول الآخر:

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فكل رداء يرتديه جميل

فاستعمل اللفظين في الكناية، وقد يستدل له بقوله: { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } [الشرح: 2].
وورد عن ابن عباس: لا تلبس ثيابك من كسب غير طيب، فاستعمل الثياب في الحقيقة والتطهير في الكناية.
وعن مجاهد: أصلح عملك، وعملك فاصلح فاستعملهما معاً في الكناية عن العمل الصالح.
وعن محمد بن سيرين وابن زيد على حقيقتهما، فطهر ثيابك من النجاسة.
ثم قال: والذي قاله ابن سيرين وابن زيد أظهر في ذلك.
وقول ابن عباس وعكرمة قول عليه أكثر السلف. والله أعلم بمراده.
وقال غيره: ثيابك هي نساؤك، كما في قوله
{ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ } [البقرة: 187] فأمرهن بالتطهر وتخيرهن طاهرات خيرات.
هذه أقوال المفسرين واختيار ابن جرير منها، والواقع في السياق ما يشهد لاختيار ابن جرير، وهو حمل اللفظين على حقيقتهما.
وترجيح قول ابن سيرين أن المراد طهارة الثوب من النجاسة، والقرينة في الآية أنها اشتملت على أمرين:
الأول: طهارة الثوب، والثاني هجر الرجز.
ومن معاني الرجز المعاصي، فيكون حمل طهارة الثوب على حقيقته، وهو الرجز على حقيقته لمعنى جديد أولى.
وهذه الآية بقسميها جاء نظيرها بقسميها أصرح من ذلك في قوله تعالى:
{ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ } [الأنفال: 11] والله تعالى أعلم.
وقد جعل الشافعي هذه الآية دليلاً على الطهارة للصلاة.