التفاسير

< >
عرض

وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً
٨
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً
٩
-الإنسان

أضواء البيان في تفسير القرآن

اختلف في مرجع الضمير في على حبه، هل هو راجع على الطعام أم على الله تعالى؟ أي ويطعمون الطعام على حب الطعام لقلته عندهم وحاجتهم إليه، أم على حب الله رجاء ثواب الله؟
وقد رجح ابن كثير المعنى الأول، وهو اختيار ابن جرير وساق الشواهد على ذلك كقوله
{ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ } [البقرة: 177]، وقوله { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [آل عمران: 92].
والواقع أن الاستدلال الأول فيه ما في هذه الآية ولكن أقرب دليلاً وأصرح، قوله تعالى:
{ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } [الحشر: 9].
وفي الآية التي بعدها في هذه السورة قرينة تشهد لرجوعه للطعام على ما تقدم، وهي قوله تعالى بعدها { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } [الإنسان: 9] لأنها في معنى حب الله. مما يجعل الأولى للطعام وهذه لله. والتأسيس أولى من التأكيد، فيكون السياق: ويطعمون الطعام على حاجتهم إياه، ولوجه الله تعالى. والله تعالى أعلم.
مسألة
في قوله تعالى: { مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } جمع أصناف ثلاثة: الأول والثاني من المسلمين غالباً أما الثالث وهو الأسير فلم يكن لدى المسلمين أسرى إلا من الكفار، وإن كانت السورة مكية إلا أن العبرة بعموم اللفظ كما هو معلوم.
وقد نقل ابن كثير عن ابن عباس: أنها في الفرس من المشركين وساق قصة أسارى بدر.
واختار ابن جرير أن الأسرى هم الخدم، والذي يظهر والله تعالى أعلم أن الأسارى هنا على معناها الحقيقي، لأن الخدم لا يخرجون عن القسمين المتقدمين اليتيم والمسكين، وهؤلاء الأسارى بعد وقوعهم في الأسر، لم يبق لهم حول ولا طول. فلم يبق إلا الإحسان إليهم.
وهذا من محاسن الإسلام وسمو تعاليمه، وإن العالم كله اليوم لفي حاجة إلى معرفة هذه التعاليم السَّماوية السامية حتى مع أعدائه، وقد تقدم شيء من ذلك عند الكلام على قوله تعالى:
{ لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ } [الممتحنة: 8]، وهؤلاء بعد الأسر ليسوا مقاتلين.