التفاسير

< >
عرض

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ
١٥
إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى
١٦
-النازعات

أضواء البيان في تفسير القرآن

بين تعالى هذا الحديث وموضوعه ومكانه بقوله تعالى بعده: { إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } [النازعات: 16-17] - إلى قوله - { فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [النازعات: 24].
قوله تعالى: { إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ } بين القرآن الكريم، أنه الطور في قوله تعالى:
{ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً } [القصص: 29] - إلى قوله - { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِ ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ } [القصص: 30] والمباركة تساوي المقدس.
فبين تعالى أن المناداة كانت بالطور وهو الواد المقدس، وهو طوى، وفي البقعة المباركة. وقد بين تعالى ما كان في ذلك المكان من مناجاة وأمر العصا والآيات الأخرى في سورة طه من أول قوله تعالى:
{ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ إِذْ رَءَا نَاراً } [طه: 9-10] - إلى قوله - { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } [طه: 24].
وقد فصل الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه القول في ذلك الموقف في سورة مريم عند قوله تعالى:
{ وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ } [مريم: 52].
وقد بين تعالى في سورة طه، كامل قصة المناداة من قوله:
{ إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ } [طه: 12-15].
ثم قصة العصا والآية في يده عليه السلام، وإرساله إلى فرعون إنه طغى، وسؤال موسى:
{ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } [طه: 25-26]، واستوزار أخيه معه، دون التعرض إلى أسلوب الدعوة، وفي هذه السورة الكريمة بيان لمنهج الدعوة، وما ينبغي أن يكون عليه نبي الله موسى مع عدو الله فرعون. وأسلوب العرض: هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى، ثم تقديم الآية الكبرى، ودليل صحة دعواه مما يلزم كل داعية اليوم أن يقف هذا الموقف، حيث لا يوجد اليوم أكثر من فرعون، ولا أشد طغياناً منه حيث ادعى الربوبية والألوهية معاً فقال: { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [النازعات: 24]، وقال: { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } [القصص: 38]، ولا يوجد اليوم أكرم على الله من نبي الله موسى وأخيه هارون.
ومع ذلك فيكون منهج الدعوة من أكرم خلق الله إلى أكفر عباد الله بهذا الأسلوب الهادئ اللين الحكيم منطلقاً من قوله تعالى:
{ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [طه: 44] فكانا كما أمرهما الله، وقالا كما علمهما الله، { هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ } [النازعات: 18-19]، وهذا المنهج هو تحقيق لقوله تعالى: { ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ } [النحل: 125].
وقد وضع القرآن منهجاً متكاملاً للدعوة إلى الله، وفصله العلماء بما يشترط في الداعي والمدعو إليه، ومراعاة حال المدعو.
وقد قدم الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه:
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } [المائدة: 105] من سورة المائدة.
وقوله تعالى:
{ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } [هود: 88] في سورة هود.
وقوله تعالى:
{ وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [النحل: 125] في سورة النحل.
ومجموع ذلك كله يشكل منهجاً كاملاً لمادة طريق الدعوة إلى الله تعالى، فيما يتعلق بالداعي والمدعو وما يدعو إليه، وكيفية ذلك والحمد لله.