التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَوْلَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ
٦
-البينة

أضواء البيان في تفسير القرآن

قرئت البرية بالهمزة وبالياء، فقرأ بالهمز: نافع وابن ذكوان. والباقون بالياء، فاختلف في أخذها.
قال القرطبي: قال الفراء: إن أخذت البرية من البراءة بفتح الباء والراء: أي التراب. فأصله غير مهموز بقوله منه: براه الله يبروه برواً، أي خلقه، وقيل: البرية من بريت القلم أي قدرته.
وقد تضمنت هذه الآية مسألتين: الأولى منهما: أن أولئك في نار جهنم خالدين فيها، ومبحث خلود الكفار في النار، تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه وافياً.
والمسألة الثانية أنهم شر البرية، والبرية أصلها البريئة، قلبت الهمزة ياء تسهيلاً، وأدغمت الياء في الباء، والبريئة الخليقة والله تعالى بارئ النسم، هو الخالق البارئ المصور سبحانه.
ومن البرية الدواب والطيور، وهنا النص على عمومه، فأفهم أن أولئك شر من الحيوانات والدواب.
وقد جاء النص صريحاً في هذا المعنى في قوله تعالى:
{ { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } [الأنفال: 22]، وقد بين أن المراد بهم الكفار في قوله: { { أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ } [محمد: 23]، وقال عنهم: { { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [الزخرف: 40]، فهم لصممهم وعماهم في ضلال مبين.
وقد ثبت أن الدواب ليست في ضلال مبين، لأنها تعلم وتؤمن بوحدانية الله، كما جاء في هدهد سليمان، أنكر على بلقيس وقومها سجودهم للشمس والقمر من دون الله.
ونص مالك في الموطأ في فضل يوم الجمعة "أنه وما من دابة إلا تصيخ بأذنها من فجر يوم الجمعة إلى طلوع الشمس خشية الساعة"، وهذا كله ليس عند الكافر منه شيء، ثم في الآخرة لما يجمع الله جميع الدواب ويقتص للعجماء من القرناء، فيقول لها: كوني تراباً، فيتمنى الكافر لو كان مثلها فلم يحصل له، كما قال:
{ { يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً } [النبأ: 40].
وذلك والله تعالى أعلم: أن الدواب لم تعمل خيراً فتبقى لتجازى عليه، ولم تعمل شراً لتعاقب عليه فكانت لا لها ولا عليها إلا ما كان فيما بينها وبين بعضها، فلما اقتص لها من بعضها انتهى أمرها، فكانت نهايتها عودتها إلى منبتها وهو التراب. بخلاف الكافر فإن عليه حساب التكاليف وعقاب المخالفة فيعاقب بالخلود في النار، فكان شر البرية.