التفاسير

< >
عرض

إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا
١
وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا
٢
وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا
٣
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا
٤
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا
٥
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ
٦
-الزلزلة

أضواء البيان في تفسير القرآن

الزلزلة: الحركة الشديدة بسرعة، ويدل لذلك فقه اللغة من وجهين:
الأول: تكرار الحروف، أو ما يقال تكرار المقطع الواحد، مثل صلصل وقلقل وزقزق، فهذا التكرار يدل على الحركة.
والثاني: وزن فعَّل بالتضعيف كغلّق وكسّر وفتح، فقد اجتمع في هذه الكلمة تكرار المقطع وتضعيف الوزن.
ولذا، فإن الزلزال أشد ما شهد العالم من حركة، وقد شوهدت حركات زلزال في أقل من ربع الثانية، فدمر مدناً وحطم قصوراً.
ولذا فقد جاء وصف هذا الزلزال بكونه شيئاً عظيماً في قوله تعالى:
{ { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } [الحج: 1]، ويدل على هذه الشدة تكرار الكلمة في زلزلت وفي زلزلها، كما تشعر به هذه الإضافة.
وقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، إيراد النصوص المبينة لذلك في أول سورة الحج كقوله تعالى:
{ { وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } [الحاقة: 14]، وقوله: { { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً [الواقعة: 4-5]، وقوله: يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } [النازعات: 6-7]، وساق قوله: { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [الزلزلة: 2].
واختلف في الأثقال ما هي على ثلاثة أقوال:
فقيل: موتاها. وقيل: كنوزها، وقيل: التحدث بما عمل عليها الإنسان. ولعل الأول أرجح هذه الثلاثة، لأن إخراج كنوزها سيكون قبل النفخة، والتحدث بالأعمال منصوص عليه بذاته، فليْس هو الأثقال. ورجحوا القول الأول لقوله تعالى:
{ { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَآءً وَأَمْواتاً } [المرسلات: 25- 26].
وقالوا: الإنس والجن ثقلان على ظهرها، فهما ثقل عليها، وفي بطنها فهم ثقل فيها، ولذا سميا بالثقلين. قال الفخر الرازي وابن جرير.
وروي عن ابن عباس: أنه موتاها.
وشبيه بذلك قوله:
{ { وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } [الانشقاق: 3-4]، ولا يبعد أن يكون الجميع إذا راعينا صيغة الجمع أثقالها، ولم يقل ثقلها وإرادة الجمع مروية أيضاً عن ابن عباس. ذكره الألوسي، وابن جرير عنه وعن مجاهد.
وحكى الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه القولين في إملائه: أي موتاها، وقيل: كنوزها وقوله تعالى: { وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا }، لفظ الإنسان هنا عام وظاهره أن كل إنسان يقول ذلك، ولكن جاء ما يدل على أن الذي يقول ذلك هو الكافر. أما المؤمن فيقول:
{ { هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ } [يس: 52] في قوله: { { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ } [يس: 51-52].
فالكافر يدعو بالويل والمؤمن يطمئن للوعد، ومما يدل على أن الجواب من المؤمنين، لا من الملائكة، كما يقول بعض الناس، ما جاء في آخر السياق قوله:
{ { فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ } } [يس: 53] - أي كلا الفريقين - { { لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } [يس: 53].
وقوله: { مَا لَهَا } سؤال استيضاح، وذهول من هول ما يشاهد. وقوله: { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا }، التحديث هنا صريح في الحديث وهو على حقيقته، لأن في ذلك اليوم تتغير أوضاع كل شيء وتظهر حقائق كل شيء، وكما أنطق الله الجلود ينطق الأرض، فتحدث بأخبارها،
{ { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } [فصلت: 21]، وتقدم تفصيل ذلك عند أول سورة الحشر، لأن الله أودع في الجمادات القدرة على الإدراك والنطق، والمراد بإخبارها أنها تخبر عن أعمال كل إنسان عليها في حال حياته.
ومما يشهد لهذا المعنى حديث المؤذن
"لا يسمع صوته حجر ولا مدر إلا وشهد له يوم القيامة" ، وذكر ابن جرير وجهاً آخر، وهو أن إخبارها هو ما أخرجته من أثقالها بوحي الله لها والأول أظهر لأنه يثبت معنى جديداً. ويشهد له الحديث الصحيح.