التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ
٢٨
فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ
٢٩
هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٣٠
-يونس

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

وقوله: { نَحْشُرُهُمْ } أى نجمعهم يوم القيامة للحساب، يقال: حشر القائد جنده، إذا جمعهم للحرب أو لأمر من الأمور.
ويوم ظرف زمان منصوب بفعل مقدر.
والمعنى: واذكر أيها الرسول الكريم أو أيها الإِنسان العاقل، يوم نجمع الناس كافة، لنحاسبهم على أعمالهم فى الدنيا.
{ ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُم } أى: ثم نقول للمشركين منهم فى هذا اليوم العصيب، الزموا مكانكم أنتم وشركاؤكم فلا تبرحوه حتى يقضى الله قضاءه، فيكم، فقوله: { مكانكم } ظرف مكان منصوب بفعل مقدر، وقوله { وَشُرَكَآؤُكُمْ } معطوف على ضمير الفعل المقدر، وقوله { أنتم } تأكيد له. أى قفوا مكانكم أنتم وشركاؤكم.
وجاء العطف بثم، للإِشارة إلى أن بين حشرهم وبين ما يقال لهم، مواقف أخرى فيها من الأهوال ما فيها، فثم هنا للتراخى النسبى.
وقال - سبحانه - { مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ } مع أن المشركين كانوا يعتبرون معبوداتهم شركاء الله - من باب التهكم بهم. وللإِشارة إلى أن ما عبدوهم لم يكونوا فى يوم من الأيام شركاء لله، وإنما المشركون هم الذين وصفوهم بذلك افتراء وكذبا.
وجاء وصفهم بالشرك فى حيز الصلة، للإِيذان بأنه أكبر جناياتهم؛ وأن شركهم بالله - تعالى - هو الذى أدى بهم إلى هذا المصير المؤلم.
وقوله: { فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } أى: ففرقنا بينهم، وقطعنا ما بينهم من صلات، وميزنا بعضهم عن بعض كما يميز بين الخصوم عند التقاضى والمساءلة.
وزيلنا: من التزييل بمعنى التمييز والتفريق، يقال: زيلت الشىء أزيله إذا نحيته وأبعدته، ومنه قوله - تعالى -:
{ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } أى: لو تميزوا وتفرقوا.
وعبر بالفاء للدلالة على أن هذا التفريق والتمييز؛ قد حدث عقب الخطاب من غير مهلة وجاء الأسلوب بصيغة الماضى مع أن هذا التذييل سيكون فى الآخرة، للإِيذان بتحقيق الوقوع، وإلى زيادة التوبيخ والتحسير لهم.
وقوله: { وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } معطوف على ما قبله.
والمراد بالشركاء؛ كل ما عبد من دون الله من إنس وجن وأوثان وغير ذلك.
أى: وقال شركاؤهم الذين أشركوهم فى العبادة مع الله - تعالى -: إنكم إيها المشركون لم تكونوا لنا عابدين فى الدنيا، وإنما كنتم تعبدون أشياء أخرى زينها الشيطان لكم؛ فانقدتم له بدون تدبر أو تعقل.
والمقصود بقولهم هذا - التبرى من المشركين، وتوبيخهم على أفكارهم الفاسدة.
وقوله: { فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ } تأكيد لهذا التبرى والإِنكار، ورجوع إلى الشهادة الحق فى ذلك.
و { إن } فى قوله { إِن كُنَّا } مخففة من الثقيلة.. أى: فكفى أن يكون الله - تعالى - شهيدا وحكما بيننا وبينكم، فهو - سبحانه - يعلم حالنا وحالكم، ويعلم أننا كنا فى غفلة عن عبادتكم لنا، بحيث إننا ما فكرنا فيها ولا رضينا بها.
ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات الكريمة ببيان أحوال الناس فى هذا اليوم العظيم فقال: { هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }.
أى: هنالك فى ذلك الموقف الهائل الشديد، تختبر كل نفس مؤمنة أو كافرة: ما سلف منها من أعمال، فترى ما كان نافعاً أو ضاراً من هذه الأعمال، وترى الجزاء المناسب عن كل عمل بعد أن عاد الجميع إلى الله مولاهم الحق، ليقضى بينهم بقضائه العادل، وقد غاب عن المشركين فى هذا الموقف ما كانوا يفترونه من أن هناك آلهة أخرى ستشفع لهم يوم القيامة.
وهكذا نرى الآيات الكريمة تصور أحوال الناس يوم الدين تصويرا بليغا مؤثرا، يتجلى فيه موقف الشركاء من عابديهم، وموقف كل إنسان من عمله الذى أسلفه فى الدنيا.
وبعد هذا الحديث المعجز عن الحشر وأهواله، ساقت السورة الكريمة بضع آيات فيها الأدلة المقنعة على وحدانية الله وقدرته، ولكن بأسلوب السؤال والجواب، فقال - تعالى -:
{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ... }