التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ
١
لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ
٢
وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ
٣
وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ
٤
وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ
٥
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ
٦
-الكافرون

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

أى: قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين الذين جاؤوك ليساوموك على أن تعبد آلهتهم مدة، وهم يعبدون إلهك مدة أخرى.. قل لهم على سبيل الحزم والتأكيد "لا أعبد" أنا الذى تعبدونه من آلهة باطلة، ولا أنتم عابدون الإِله الحق الذى أعبده، لجهلكم وجحودكم. وعكوفكم على ما كان عليه آباؤكم من ضلال.
وافتتحت السورة الكريمة بفعل الأمر "قل" للاهتمام لما سيأتى بعده من كلام المقصود منه إبلاغه إليهم، وتكليفهم بالعمل به.
ونودوا بوصف الكافرين، لأنهم كانوا كذلك، ولأن فى هذا النداء تحقيرا واستخفافا بهم.
و "ما" هنا موصولة بمعنى الذى، وأوثرت على "مَن" لأنهم ما كانوا يشكون فى ذات الآلهة التى يعبدونها، ولا فى ذات الإله الحق الذى يعبده النبى صلى الله عليه وسلم، وإنما كانوا يشكون فى أوصافه - تعالى -، من زعمهم أن هذه الأصنام ما يعبدونها إلا من أجل التقرب إليه.
ويقولون:
{ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } مع أن الله - تعالى - منزه عن ذلك، فالمقصود من "ما" هنا: الصفة، وليس الذات، فكأنه قال: لا أعبد الباطل الذى تعبدونه، وأنتم لجهلكم لا تعبدون الإله الحق الذى أعبده.
وقوله - تعالى -: { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ. وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } تأكيد وتقرير لما اشتمل عليه الكلام السابق.. "وما" هنا مصدرية، فكأنه قبل: ولا أنا عابد عبادتكم، ولا أنتم عابدون عبادتى.
فالآيتان السابقتان تنفيان الاتحاد بينه صلى الله عليه وسلم وبينهم فى المعبود، وهاتان الآيتان تنفيان الاتحاد فى العبادة، والمقصود من ذلك المبالغة التامة فى البراءة من معبوداتهم الباطلة، ومن عبادتهم الفاسدة، وأنه صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين، لا يعبدون إلا الله - عز وجل -، وهم بذلك يكونون قد اهتدوا إلى العبادة الصحيحة.
وقوله - تعالى -: { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } تذييل مؤكد لما قبله. والدين: يطلق بمعنى العقيدة التى يعتقدها الإِنسان ويدين بها، وبمعنى الملة التى تجرى أقواله وأفعاله على مقتضاها، وبمعنى الحساب والجزاء. ومنه قولهم: دنت فلانا بما صنع، أى: جازيته على صنيعه.
واللفظ هنا شامل لكل ذلك، أى: لكم - أيها الكافرون - دينكم وعقيدتكم التى تعتقدونها ولا تتجاوزكم إلى غيركم من المؤمنين الصادقين، فضلا عن رسولهم ومرشدهم صلى الله عليه وسلم، ولى دينى وعقيدتى التى هى عقيدة التوحيد، والتى بايعنى عليها أتباعى المؤمنون، وهى مقصورة علينا، وأنتم محرومون منها، وسترون سوء عاقبة مخالفتكم لى.
وقدم - سبحانه - المسند على المسند إليه، لإِفادة القصد والاختصاص فكأنه قيل: لكم دينكم لا لغيركم، ولى دينى لا لغيرى والله - تعالى - هو أحكم الحاكمين بينى وبينكم.
وبذلك نرى السورة الكريمة، قد قطعت كل أمل توهم الكافرون عن طريقه الوصول إلى مهادنة النبى صلى الله عليه وسلم، وإلى الاستجابة لشئ من مطالبهم الفاسدة، وإنما هو صلى الله عليه وسلم برئ براءة تامة منهم ومن معبوداتهم وعباداتهم.
وصلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.