التفاسير

< >
عرض

قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ
١
ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ
٢
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
٣
وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ
٤
-الاخلاص

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

قد افتتحت بفعل الأمر "قل" لإِظهار العناية بما بعد هذا الأمر من توجيهات حكيمة، ولتلقينه صلى الله عليه وسلم الرد على المشركين الذين سألوه أن ينسب لهم ربه.
و { هو } ضمير الشأن مبتدأ، والجملة التى بعده خبر عنه.
والأحد: هو الواحد فى ذاته وفى صفاته وفى أفعاله، وفى كل شأن من شئونه، فهو منزه عن التركيب من جواهر متعددة، أو من مادة معينة، كما أنه - عز وجل - منزه عن الجسمية والتحيز، ومشابهة غيره.
وفى الإِتيان بضمير الشأن هنا: إشارة إلى فخامة مضمون الجملة، مع ما فى ذلك من زيادة التحقيق والتقرير، لأن الضمير يشير إلى شئ مبهم تترقبه النفس، فإذا جاء الكلام من بعده زال الإِبهام، وتمكن الكلام من النفس فضل تمكن.
وجئ بالخبر نكره وهو لفظ "أحد" لأن المقصود الإِخبار عن الله - تعالى - بأنه واحد، ولو قيل: الله الأحد، لأفاد أنه لا واحد سواه، وليس هذا المعنى مقصودا هنا، وإنما المقصود إثبات أنه واحد فى ذاته وصفاته وأفعاله.. ونفى ما زعمه المشركون وغيرهم، من أنه - تعالى - مركب من أصول مادية أو غير مادية، أو من أنه له شريك فى ملكه.
وقوله - سبحانه - { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } أى: الله - تعالى - هو الذى يَصْمدُ إليه الخلق فى حوائجهم، ويقصدونه وحده بالسؤال والطلب.. مأخوذ من قولهم صمد فلان إلى فلان. بمعنى توجه إليه بطلب العون والمساعدة.
قال صاحب الكشاف: والصمد فعل بمعنى مفعول، من صمد إليه إذا قصده، وهو - سبحانه - المصمود إليه فى الحوائج، والمعنى: هو الله الذى تعرفونه وتقرون بأنه خالق السموات والأرض، وخالقكم، وهو واحد متوحد بالإِلهية لا يشارك فيها، وهو الذى يصمد إليه كل مخلوق لا يستغنون عنه، وهو الغنى عنهم..
وجاء لفظ "الصمد" محلى بأل، لإِفادة الحصر فى الواقع ونفس الأمر، فإن قصد الخلق إليه - سبحانه - فى الحوائج، أعم من القصد الإِرادى، والقصد الطبيعى، والقصد بحسب الاستعداد الأصلى، الثابت لجميع المخلوقات إذ الكل متجه إليه - تعالى - طوعا وكرها.
وقوله - سبحانه -: { لَمْ يَلِدْ } تنزيه له - تعالى - عن أن يكون له ولد أو بنت، لأن الولادة تقتضى انفصال مادة منه، وذلك يقتضى التركيب المنافى للأحدية والصمدية، أو لأن الولد من جنس أبيه، وهو - تعالى - منزه عن مجانسة أحد.
وقوله: { وَلَمْ يُولَدْ } تنزيه له - تعالى - عن أن يكون له أب أو أم، لأن المولودية تقتضى - أيضا - التركيب المنافى للأحدية والصمدية، أو لاقتضائها سبق العدم، أو المجانسة، وكل ذلك مستحيل عليه - تعالى - فهو - سبحانه -:
{ { ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } وقوله - عز وجل - { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } تنزيه له - تعالى - عن الشبيه والنظير والمماثل.
والكفؤ: هو المكافئ والمماثل والمشابه لغيره فى العمل أو فى القدرة.
أى: ولم يكن أحد من خلقه مكافئاً ولا مشاكلا ولا مناظرا له - تعالى - فى ذاته، أو صفاته، أو أفعاله، فهو كما قال - تعالى -:
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } وبذلك نرى أن هذه السورة الكريمة قد تضمنت نفى الشرك بجميع ألوانه.
فقد نفى - سبحانه - عن ذاته التعدد بقوله: { ٱللَّهُ أَحَدٌ } ونفى عن ذاته النقص والاحتياج بقوله: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }، ونفى عن ذاته أن يكون والدا أو مولودا بقوله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ }، ونفى عن نفسه الأنداد والأشباه بقوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }.
كما نراها قد تضمنت الرد على المشركين وأهل الكتاب، وغيرهم من أصحاب الفرق الضالة، الذين يقولون، بالتثليث، وبأن هناك آلهة أخرى تشارك الله - تعالى - فى ملكه.
وبغير ذلك من الأقاويل الفاسدة والعقائد الزائفة.. - سبحانه وتعالى - عما يقولون علوا كبيرا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.