التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً
١٠٧
خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً
١٠٨
-الكهف

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

وجنات الفردوس: هى أفضل الجنات وأعلاها. ولفظ الفردوس: لفظ عربى ويجمع على فراديس، ومنه قولهم صدر مفردس، أى: واسع.
قال الآلوسى ما ملخصه: عن مجاهد أن الفردوس هو البستان بالرومية، وعن عكرمة أن الفردوس هو الجنة بالحبشية.
ونص الفراء على أن هذا اللفظ عربى ومعناه البستان الذى فيه كرم.
وقال المبرد: هى - أى كلمة الفردوس - فيما سمعت من العرب: الشجر الملتف والأغلب عليه العنب.
وأخرج الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا سألتم الله - تعالى - فأسألوه الفردوس، فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن. ومنه تفجر أنهار الجنة" .
والمعنى: إن الذين آمنوا بالله - تعالى - وبكل ما يجب الإِيمان به، وعملوا الأعمال الصالحات بإخلاص واتباع لما جاء به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم كانت لهم عند الله - تعالى - جنات الفردوس، التى هى أفضل الجنات وأرفعها درجة { نزلا } أى: هدية تقدم لهم منه يوم القيامة، ومكانا ينزلون به تكريما وتشريفا لهم.
{ خالدين فيها } خلودا أبديا، حالة كونهم { لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } أى: لا يطلبون تحولا أو انتقالا منها إلى مكان آخر، لكونها أطيب المنازل وأعلاها.
وفى قوله - تعالى -: { لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } لفتة دقيقة عميقة للإِجابة على ما يعترى النفس البشرية من حب للانتقال والتحول من مكان إلى مكان، ومن حال إلى حال.
فكأنه - سبحانه - يقول: إن ما جبلت عليه النفوس فى الدنيا من حب للتحول والتنقل. قد زال وانتهى بحلولها فى الآخرة فى الجنة، فالنفس الإِنسانية عندما تستقر فى الجنة - ولا سيما جنة الفردوس - لا تريد تحولا أو انتقالا عنها، لأنها المكان الذى لا تشتاق النفوس إلى سواه، لأنها تجد فيه ما تشتهيه وما تبتغيه، نسأل الله - تعالى - أن يرزقنا جميعا جنات الفردوس.
وكما افتتح - سبحانه - السورة الكريمة بالثناء على ذاته، ختمها - أيضا - بالثناء والحمد، فقد أثبت - عز وجل - أن علمه شامل لكل شئ. وأن قدرته نافذة على كل شئ، وأنه - تعالى - هو المستحق للعبادة والطاعة، فقال: { قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ... }.