التفاسير

< >
عرض

فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً
٧٤
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً
٧٥
قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَٰحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً
٧٦
-الكهف

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

أى: فانطلق موسى والخضر للمرة الثانية بعد خروجهما من السفينة، وبعد أن قبل الخضر اعتذار موسى.
{ حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ } فى طريقهما، ما كان من الخضر إلا أن أخذه { فقتله }.
وهنا لم يستطع موسى - عليه السلام - أن يصبر على ما رأى، أو أن يكظم غيظه، فقال باستنكار وغضب: { أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً } أى: طاهرة بريئة من الذنوب { بغير نفس }.
أى: بغير أن ترتكب ما يوجب قتلها، لأنها لم تقتل غيرها حتى تقتص منها. أى: أن قتلك لهذا الغلام كان بغير حق.
{ لقد جئت } أيها الرجل { شيئا نكرا } أى: منكرا عظيما. يقال. نكر الأمر، أى: صعب واشتد. والمقصود: لقد جئت شيئا أشد من الأول فى فظاعته واستنكار العقول له.
ومرة أخرى يذكره الخضر بالشرط الذى اشترطه عليه. وبالوعد الذى قطعه على نفسه، فيقول له: { أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً }.
وفى هذه المرة لا يكتفى الخضر بقوله: { أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ .. } بل يضيف لفظ لك، زيادة فى التحديد والتعيين والتذكير.
أى: ألم أقل لك أنت يا موسى لا لغيرك على سبيل التأكيد والتوثيق: إنك لن تستطيع معى صبرا، لأنك لم تحط علما بما أفعله.
ويراجع موسى نفسه. فيجد أنه قد خالف ما اتفق عليه مع الرجل الصالح مرتين، فيبادر بإخبار صاحبه أن يترك له فرصة أخيرة فيقول: { إن سألتك } أيها الصديق { عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا } أى: بعد هذه المرة الثانية { فلا تصاحبنى } أى: فلا تجعلنى صاحبا أو رفيقا لك، فإنك { قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } أى: فإنك قد بلغت الغاية التى تكون معذورا بعدها فى فراقى، لأنى أكون قد خالفتك مراراً.
وهذا الكلام من موسى - عليه السلام - يدلك على اعتذاره الشديد للخضر، وعلى شدة ندمه على ما فرط منه، وعلى الاعتراف له بخطئه.
قال القرطبى:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا لأحد بدأ بنفسه فقال يوما: رحمة الله علينا وعلى موسى، لو صبر على صاحبه لرأى العجب، ولكنه قال: { إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي .. }" .
ثم تسوق لنا السورة الكريمة الحادث الثالث والأخير فى تلك القصة الزاخرة بالمفاجآت والعجائب فتقول: { فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ... }.