التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
٢٢١
-البقرة

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

قوله - تعالى: { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } النكاح فى اللغة الضم وتداخل أجزاء الشىء بعضها فى بعض. ثم أطلق على العقد الذى به تكون العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة مشروعة.
والمشرك فى لسان الشرع: من يدين بتعدد الآلهة مع الله - تعالى - وأصله من الإِشراك بمعنى أن تجعل الشىء بينك وبين غيرك شركة، فمن يعبد مع الله - تعالى - إلها آخر يعد مشركاً، وهو فى الآخرة من الخاسرين.
ويرى كثير من العلماء أن إطلاق كلمة: مشرك، ومشركين، ومشركات فى القرآن الكريم تعنى عبدة الأوثان، وأنها صارت فى استعمال القرآن حقيقة عرفية فيهم، ولم يطلقها القرآن على اليهود والنصارى وإنما عبر عنهم بهذا الاسم أو بأهل الكتاب، أو بوصف الكفر دون الشرك كما فى قوله - تعالى -:
{ لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } وعليه فالمراد بالمشركات والمشركين فى الآية عبدة الأوثان.
وذهب بعضهم إلى أن لفظ المشركات يشمل بمقتضى عمومه المرأة الوثنية، واليهودية، والنصرانية.
وقد ترتب على هذا الخلاف فى إطلاق كلمة "مشرك" أن أصحاب الرأى الأول قالوا: إن النهى فى الآية إنما هو عن زواج المشركات اللائى يعبدون الأوثان ولا كتاب لهن، وأنه يجوز - مع الكراهة - أن يتزوج المسلم الكتابية، لأن القرآن يقول:
{ ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } ).. الآية. ولأنه قد جاءت الروايات بأن بعض الصحابة قد تزوج بكتابيات. فعثمان بن عفان تزوج نصرانية ثم أسلمت، وطلحة بن عبيد الله وحذيفة بن اليمان تزوجا يهوديتين.
أما من قال بالرأى الثانى فيرى حرمة الزواج بالوثنية واليهودية والنصرانية لأن لفظ المشركات يشملهن جميعا. وأصحاب هذا الرأى - كما يقول الآلوسى - يجعلون آية المائدة وهى قوله - تعالى -
{ وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَات } ) .. منسوخة بالآية التى معنا نسخ الخاص بالعام.. وإلى هذا الرأى ذهب الإِمامية وبعض الزيدية.
وروى عن عمر وعبد الله ابنه - رضى الله عنهما - أنهما حرما ذلك وفى رواية أنها كرهاه وهى الأصح.
قال القرطبى: وروى عن عمر أنه فرق بين طلحة بن عبيد الله وحذيفة بن اليمان وبين كتابيتين وقالا: نطلق يا أمير المؤمنين ولا تغضب. فقال: لو جاز طلاقكما لجاز نكاحكما ولكن أفرق بينكما صغرة قمأة. قال ابن عطيه وهذا لا يستند جيداً، وأسند منه أن عمر أراد التفريق بينهما فقال له حذيفة: أتزعم أنها حرام فأخلى سبيلها يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا أزعم أنها حرام ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن.
ثم قال القرطبى: وكان ابن عمر إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية. قال حرم الله المشركات على المؤمنين ولا أعرف شيئاً من الإِشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى أو عبد من عباد الله. قال النحاس: وهذا قول خارج عن قول الجماعة الذين تقوم بهم الحجة، لأنه قال بتحليل نكاح نساء أهل الكتاب من الصحابة والتابعين جماعة منهم عثمان وطلحة وابن عباس.. ومن التابعين سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد.. وفقهاء الأمصار عليه، وأيضاً فيمتنع أن تكون هذه الآية من سورة البقرة ناسخة للآية التى فى سورة المائدة، لأن البقرة من أول ما نزل بالمدينة والمائدة من آخر ما نزل، وإنما الآخر ينسخ الأول - أو يخصصه - وأما قول ابن عمر فلا حجة فيه، لأن ابن عمر - رضى الله عنه - كان متوقفا، فلما سمع الآيتين فى واحدة التحليل وفى أخرى التحريم ولم يبلغه النسخ توقف، ولم يؤخذ عنه ذكر النسخ وإنما تؤول عليه، وليس يؤخذ الناسخ والمنسوخ بالتأويل.
والذى نراه أن زواج المسلم بالكتابية جائز لأن القرآن صريح فى ذلك، ولأن عمر - رضى الله عنه - أقر بأنه ليس بحرام، فتكون آية المائدة مخصصة لآية البقرة على فرض عمومها، ومبينة لحكم جديد خاص بالكتابيات، وهو الجواز ولكن هذا الجواز لا يمنع كراهته، لأن الزواج بالكتابية كثيراً ما يؤثر فى إضعاف العاطفة الدينية عند المسلم، وعند الأطفال الذين يكونون ثمرة لهذا الزواج، لأنهم يخرجون إلى الحياة وقد رضعوا الميل إلى دين أمهم، ولأن المرأة الكتابية التى تقبل الزواج بالمسلم كثيراً ما تكون منحرفة فى سلوكها وأن الدافع لها إلى هذا الزواج إنما هو المال أو الجمال أو الجاه وليس الدين أو الخلق، لأنه لو كان الدافع ذلك لرضيت بالإِسلام دينا، وبآدابه خلقاً لها، وما أحكم قول عمر لحذيفة: "لا أزعم أنها حرام ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن".
هذه خلاصة لاراء العلماء فى هذه المسألة ومن أراد المزيد فليرجع إلى أقوالهم فى مظانها.
والمعنى: أنها كم أيها المؤمنون أن تتزوجوا بالنساء المشركات حتى يؤمن بالله - تعالى - ويذعن لتعاليم الإِسلام وآدابه.
وقوله: { وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } تعليل للنهى، وبيان لفضل المؤمنات على المشركات، ولفضل طهارة النفس على جمال الجسم، والمراد بالأمة هنا الأنثى المملوكة من الرقيق، وبالمشركة الحرة الجميلة بقرينة المقابلة.
أى: ولأنثى رقيقة مؤمنة مع ما بها من الرق وقلة الجاه والجمال خير فى التزوج بها من امرأة حرة مشركة ولو أعجبتكم بجمالها ونسبها وغير ذلك من منافع دنيوية، لأن ما يتعلق بالمنافع الدينية يجب أن يقدم على المنافع الدنيوية، ولأن الزواج ارتباط روحى بين قلبين، ومن العسير أن يتم هذا الترابط بين قلب يخلص لله فى عبادته، وقلب لا يدين بذلك.
وصدرت الجملة بلام الابتداء الشبيهة بلام القسم فى إفادة التأكيد مبالغة فى الحمل على الانزجار، وقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم أتباعه أن يجعلوا الدين أساس رغبتهم فى الزواج، فقد أخرج الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" .
وعن عبد الله بن عمرو - رضى الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تتزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تتزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة سوداء ذات دين أفضل" .
والأحاديث النبوية فى هذا المعنى كثيرة.
ثم قال - تعالى -: { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } أى: لا تزوجوا أيها المؤمنون النساء المؤمنات للرجال المشركين حتى يتركوا عليه من شرك ويدخلوا فى دين الإِسلام، فإذا فعلوا ذلك حل لكم أن تزوجوهم النساء المسلمات، لأنهم بدخولهم فى الإِسلام قد اصبحوا إخوانا لكم.
والنهى هنا يتناول المشرك الذى يعبد الأوثان ويتناول غيره ممن لا يدين بالإِسلام كأهل الكتاب، لأن القرآن قد جعل الإِيمان غاية للنهى، فإذا لم يكن هناك إيمان من الرجل لم يكن له أن يتزوج من المرأة المؤمنة، لأن الله - تعالى - يقول فى آية أخرى:
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } فهذه الآية صريحة فى أن زواج المسلمة بالكافر لا يجوز، وكلمة كافر تشمل أهل الكتاب بدليل قوله - تعالى -: { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } ).. وقوله تعالى { مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ } قال الفخر الرازى: لا خلاف ها هنا فى أن المراد به - أى بلفظ المشركين - الكل، وأن المؤمنة لا يحل تزويجها من الكافر ألبتة على اختلاف أنواع الكفرة.
وقوله: { وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } بيان لفضل الإِيمان على الشرك، كما فى قوله - تعالى -: { وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ } إذ نسبة المؤمن أو المؤمنة إلى هذا الدين الذى ارتضاه الله لعباده أفضل وأجل من الانتساب إلى أى شىء آخر.
ثم بين - سبحانه - علة النهى عن الزواج بالمشركين والمشركات فقال - تعالى -: { أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ }.
أى: أولئك المذكورون من المشركين والمشركات يدعون من يقارنهم ويعاشرهم إلى الأقوال والأفعال والعقائد التى تفضى بصاحبها إلى دخول النار فى الآخرة والله - تعالى - يدعو عباده على ألسنة رسله إلى الأقوال والأعمال والعقائد التى توصل إلى جنته ومغفرته.
فالمراد بالدعاء إلى النار الدعاء إلى أسبابها وإلى ما يوصل إليها، وكان الاقتران بهؤلاء المشركين والمشركات سببا فى الوصول إليها، لأن الزواج من شأنه الألفة والمودة والمحبة وشدة الاتصال، وكل ذلك يجعل المسلم أو المسلمة يتقبلان ما عليه المشرك أو المشركة من فسوق وعصيان لله - تعالى - بل ربما بمرور الأيام لا يكتفيان بالتقبل بل يستحسنان فعلهما، وبذلك تنحل عرا الإِسلام من نفس المسلم والمسلمة عروة فعروة، حتى لا يبقى منه سوى الاسم، كما نشاهد ذلك فى كثير من المسلمين الذين تزوجوا بغير مسلمات.
والمقصود من قوله - تعالى -: { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ } إغراء المؤمنين بالتمسك بتعاليم دينهم، وتنفيرهم من الاقتران بغير من يكون على شاكلتهم فى الدين، لأن من يخالفهم فى عقيدتهم طريقة يغاير طريقهم، وهدفه يخالف هدفهم، وعاقبته تباين عاقبتهم.
والدعاء إلى الجنة والمغفرة المراد به الدعاء إلى أسبابهما كما فى الجملة السابقة المقابلة وقيد - سبحانه - الدعاء إلى الجنة والمغفرة بقوله { بِإِذْنِهِ } أى بأمره وإرادته وعلمه، لأنه - سبحانه - هو المالك لكل شىء، ولا يقع فى ملكه إلا ما يريده ويقدره.
قال بعض العلماء ما ملخصه: وقد يقول قائل: هذه الدعوة إلى النار قد تكون أيضاً فى زواج المسلم بالكتابية، كما هى فى زواج المسلم بالمشركة، وكان مقتضى هذا أن يحرم زواج المسلم بغير المسلمة مطلقاً، كما حرم زواج المسلمة بغير المسلم مطلقاً، وإن لذلك الكلام موضعه، ولذلك أجمع الفقهاء على كراهة زواج المسلم بالكتابية، بل زعم بعض العلماء أن زواج المسلم من الكتابية محرم كزواجه من المشركة.
ولكن الجمهور لا يقطعون بالتحريم أمام النص القاطع بالحل، ولا يعملون العلة ليهمل النص، بل يرون علة التحريم لا تتوافر فى الكتابية توافرها فى المشركة، فإن المشركة لا ترتبط بأى قانون خلقى يعصمها من الزلل.. أما الكتابية فإن مجموع الفضائل الإِنسانية.. لا تزال باقية فى تعاليم دينها فيمكن الاحتكام إليها.
والقرآن فى جدله مع أهل الكتاب كان يلاحظ إمكان التفاهم معهم على قواعد يمكن حملهم على الإِقرار بها كما فى قوله - تعالى -:
{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً } ).. الآية.
وأمرنا أن نجادلهم بالتى هى أحسن فقال:
{ وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هي أَحْسَنُ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } ) .. الآية.
فكان من اطراد تلك المعاملة الحسنة المقربة غير المبعدة، أن أباح الإِسلام الزواج من الكتابيات.
بيد أنه يلاحظ فى إباحة الزواج من الكتابيات أمران:
أولهما: أن النص القرآنى المبيح خاص بالمحصنات منهن، إذ قال - سبحانه
{ { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } والمحصنات - فى أظهر التفسير - هن العفيفات، فأولئك الذين يعمدون إلى المنحرفات منهن فى أخلاقهن وعقولهن ولا يتخيرون، خارجون عن موضع الإِباحة فيما أحسب، لأن الله أحل المحصنات وهم استحلوا المنحرفات.
ثانيهما: أن ولى الأمر إذا رأى خطرا على الدولة الإِسلامية أو على المجتمع الإِسلامى له أن يمنع الناس من ذلك الزواج بوضع عقوبات لمن يقدم عليه سدا للذريعة ومنعا للشر، وذلك من باب السياسة الشرعية، لا من باب تحريم ما أحل الله، لأن الحل قائم على أصله، والمنع وارد على الضرر الذى يلحق المسلمين، إذ فى ذلك من الاعتداء على جماعتهم ما فيه، كما أن أصل الأكل حلال، ولكن اغتصاب أموال الناس لنأكلها حرام، ولذلك سارت الدولة على منع بعض رجالها من الزواج بالأجنبيات.
وقوله - تعالى - فى ختام الآية: { وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } معطوف على يدعو إلى الجنة. أى أنه - سبحانه - يدعو الناس إلى ما يوصلهم إلى جنته ومغفرته ويبين لهم آياته وأوامره ونواهيه فى شئون الزواج وفى غير ذلك من الأحكام لكى يتعظوا ويعتبروا ويتذكروا ما أمرهم الله به فيعملوه، وما نهاهم عنه فيتركوه.
وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد رسمت للناس أقوم السبل، لكى يعيشوا فى ظل أسرة فاضلة، تظلها السعادة، ويسودها الأمان والاطمئنان ويتعاون أفرادها على البر والتقوى لا على الإِثم والعدوان.
وبعد أن أمر الله - المسلم بأن يجعل التدين وحسن الخلق محط اختياره فى الزواج، اتبع ذلك بإرشاده إلى بعض الآداب التى يجب عليه أن يسلكها مع زوجه حتى تكون علاقتهما قائمة على ما يقتضيه الطبع السليم والخلق القويم وحتى تكون فى أعلى درجات التطهر والتنزه والعفاف فقال - تعالى -:
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ...أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.