التفاسير

< >
عرض

كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً
٩٩
مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً
١٠٠
خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً
١٠١
يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً
١٠٢
يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً
١٠٣
نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً
١٠٤
-طه

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

والكاف فى قوله - تعالى -: { كَذٰلِكَ } فى محل نصب نعت لمصدر محذوف، أى: نقص عليك - أيها الرسول الكريم - من أنباء ما قد سبق من أحوال الأمم الماضية، قصصا مثل ما قصصناه عليك عن موسى وهارون. وما دار بينهما وبين فرعون وبين بنى إسرائيل.
و { مِنْ } فى قوله { مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ } للتبعيض، ويشهد لذلك أن القرآن قد صرح فى كثير من آياته، أن الله - تعالى - لم يقص على الرسول - صلى الله عليه وسلم - جميع أحوال الأمم السابقة، ومن ذلك قوله - تعالى -:
{ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } ومن فوائد ما قصه الله - تعالى - عليه من أنباء السابقين: زيادة علمه - صلى الله عليه وسلم -، وتكثير معجزاته، وتثبيت فؤاده، وتسليته عما أصابه من سفهاء قومه، وتذكير المؤمنين بأحوال تلك الأمم السابقة ليعتبروا ويتعظوا.
وقوله - سبحانه -: { وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } تنويه وتعظيم لشأن القرآن الكريم.
أى: وقد أعطيناك ومنحناك من عندنا وحدنا { ذِكْراً } عظيما. وهو القرآن الكريم، كما قال - تعالى -:
{ وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } قال الفخر الرازى: وفى تسمية القرآن بالذكر وجوه:
أحدها: أنه كتاب فيه ذكر ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم ودنياهم.
وثانيها: أنه يذكر أنواع آلاء الله ونعمائه على الناس، ففيه التذكير والوعظ.
وثالثها: أنه فيه الذكر والشرف لك ولقومك، كما قال - سبحانه -
{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة من يعرض عن هداية هذا القرآن فقال: { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً }.
والوزر فى الأصل يطلق على الحمل الثقيل، وعلى الإثم والذنب، والمراد به هنا العقوبة الثقيلة الأليمة المترتبة على تلك الأثقال والآثام.
قال صاحب الكشاف: والمراد بالوزر: العقوبة الثقيلة الباهظة، سماها وزرا تشبيها فى ثقلها على المعاقب، وصعوبة احتمالها، بالحمل الذى يفدح الحامل، وينقض ظهره، أو لأنها جزاء الوزر وهو الإِثم.
وقد أخبرنا القرآن فى كثير من آياته، أن الكافرين يأتون يوم القيامة وهم يحملون أوزارهم، أى: أثقال ذنوبهم على ظهورهم، ومن ذلك قوله - تعالى -:
{ لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } أى: من أعرض عن هذا الذكر وهو القرآن الكريم فإنه بسبب هذا الإعراض والترك، يحمل يوم القيامة على ظهره آثاما كثيرة: تؤدى إلى العقوبة المهينة من الله - تعالى -.
وقوله: { خَالِدِينَ فِيهِ } أى: فى العذاب المترتب على هذا الوزر.
{ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً } أى: وبئس ما حملوا على أنفسهم من الإثم بسبب إعراضهم عن هداية القرآن الكريم.
قال الآلوسى: قوله: { وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً } إنشاء الذم، على أن "ساء" فعل ذم بمعنى بئس.. وفاعله على هذا هنا مستتر يعود على "حملا" الواقع تمييزا.. والمخصوص بالذم محذوف، والتقدير: ساء حملهم حملا وزرهم.
ثم بين - سبحانه - أحوال المجرمين عند الحشر فقال: { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً }.
أى: اذكر - أيها العاقل - يوم ينفخ إسرافيل فى الصور النفخة الثانية، ونحشر المجرمين يومئذ ونجمعهم للحساب حالة كونهم زرق العيون من شدة الهول، أو حالة كونهم "زرقا" أى: عميا، لأن العين إذا ذهب ضوؤها أزرق ناظرها. أو "زرقا" معناه: عطاشا، لأن العطش الشديد يغير سواد العين فيجعله كالأزرق.
قال - تعالى -:
{ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } وقوله - سبحانه -: { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } استئناف لبيان ما يقوله بعضهم لبعض على سبيل الهمس وخفض الصوت.
أى: إن هؤلاء المجرمين يتهامسون فيما بينهم فى هذا اليوم العصيب، قائلين ما لبثم فى قبوركم إلا عشرا من الليالى أو الأيام.
ومقصدهم من هذا القول: استقصار المدة، وسرعة انقضائها، والندم على ما كانوا يزعمونه من أنه لا بعث ولا حساب، بعد أن تبين لهم أن البعث حق، وأن الحساب حق، وأن الأمر على عكس ما كانوا يتوهمون.
وقوله - تعالى -: { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ... } بيان لشمول علمه - سبحانه -.
أى: نحن وحدنا أعلم بما يقولون فيما بينهم، لا يخفى علينا شىء مما يتخافتون به من شأن مدة لبثهم فى قبورهم أو فى الدنيا.
{ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أى: أعد لهم رأيا، وأرجحهم عقلا { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } واحدا وقيل المراد باليوم: مطلق الوقت، وتنكيره للتقليل والتحقير. أى: ما لبثتم فى قبوركم إلا زمنا قليلا.
ونسبة هذا القول إلى أمثلهم لا لكونه أقرب إلى الصدق، بل لكونه أدلى على شدة الهول.
قال - تعالى -:
{ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا } أى الساعة { لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } ثم بين - سبحانه - أحوال الجبال وأحوال الناس يوم القيامة فقال - تعالى -: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ... }.