التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
٧٥
وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ
٧٦
حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ
٧٧
-المؤمنون

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

أى: ولو رحمنا هؤلاء المشركين الذين تنكبوا الصراط المستقيم وكشفنا ما بهم من ضر.
أى: من سوء حال بسبب ما نزل بهم من قحط وجدب وفقر.
{ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } أى: لتمادوا فى طغيانهم، وتجاوزوا الحدود فى كفرهم وضلالهم، وفى تحيرهم وترددهم بدون تمييز بين الحق والباطل.
والتعبير بقوله - تعالى - { لَّلَجُّواْ } يشعر بأنهم لقسوة قلوبهم، صاروا لا تؤثر فيهم المصائب بل يزدادون بسببها طغياناً وكفراً، إذ الفعل "لجوا" مأخوذ من اللجاج. هو التمادى والعناد فى ارتكاب المنهى عن ارتكابه.
يقال: لج فلان فى الأمر يلج لججا ولجاجة. إذا لازمه وواظب عليه. ومنه "اللَّجة" - بفتح اللام - لكثرة الأصوات. ولُجة البحر - بضم اللام - لتردد أمواجه...
وقوله: { يَعْمَهُونَ } من العمه، بمعنى التردد والتحير، وهو للقلوب بمنزلة العمى للعيون.
وهو مأخوذ من قولهم: أرض عمهاء، إذا لم يكن فيها علامات ترشد إلى الخروج منها.
وقوله - سبحانه -: { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } مؤكد لما قبله من وصف هؤلاء المشركين بالجحود والعناد.
والمراد بالعذاب هنا: العذاب الدنيوى كالجوع والقحط والمصائب.
والاستكانة: الانتقال من كون إلى كون ومن حال إلى حال. ثم غلب استعمال هذه الكلمة فى الانتقال من حال التكبر والغرور إلى حال التذلل والخضوع.
أى: ولقد أخذنا هؤلاء الطغاة، بالعذاب الشديد، كالفقر، والمصائب والأمراض فما خضعوا لربهم - عز وجل - وما انقادوا له وأطاعوه، وما تضرعوا إليه - سبحانه - بالدعاء الخالص لوجهه الكريم، لكى يكشف عنهم - عز وجل - ما نزل بهم من ضر.
ولفظ "حتى" فى قوله - تعالى - { حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ... } يقصد به ابتداء الكلام، وإذا الأولى شرطية، والثانية وهى قوله { إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } رابطة للجواب.
أى: هم مستمرون على جحودهم وعنادهم، حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد من أبواب عذاب الآخرة المعد لهم إذا هم فيه مبلسون، أى: ساكتون من شدة الحيرة وآيسون من كل نجاء. يقال: أبلس فلان إبلاساً، إذا سكت فى حيرة ويأس من الخلاص مما هو فيه من عذاب وبلاء.
وقريب من هذه الآيات فى المعنى قوله - تعالى -:
{ إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } وقوله - عز وجل -: { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } وقوله - سبحانه -: { وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ } ثم تأخذ السورة الكريمة بعد ذلك فى تذكيرهم بنعم الله عليهم، لعلهم يتوبون أو يتذكرون، فتقول: { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنْشَأَ... }.