التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
١٤
وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ
١٥
قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
١٦
قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ
١٧
فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ
١٨
فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِٱلَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يٰمُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ
١٩
وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَٱخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّاصِحِينَ
٢٠
فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٢١
-القصص

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

قوله - سبحانه - { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ } بيان لجانب من النعم التى أنعم الله - تعالى - بها على موسى فى تلك المرحلة من حياته.
و { لَمَّا } ظرف بمعنى حين. والأشد: قوة الإِنسان، واشتعال حرارته من الشدة بمعنى القوة والارتفاع يقال: شد النهار إذا ارتفع. وهو مفرد جاء بصيغة الجمع ولا واحد له من لفظه.
وقوله: { وَٱسْتَوَىٰ } من الاستواء بمعنى الاكتمال وبلوغ الغاية والنهاية.
أى - وحين بلغ موسى - عليه السلام - منتهى شدته وقوته، واكتمال عقله، قالوا: وهى السن التى كان فيها بين الثلاثين والأربعين.
{ آتَيْنَاهُ } بفضلنا وقدرتنا { حُكْماً } أى: حكمة وهى الإِصابة فى القول والفعل، وقيل: النبوة.
{ وَعِلْماً } أى: فقها فى الدين، وفهما سليما للأمور، وإدراكا قويما لشئون الحياة.
وقوله - سبحانه - { وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِين } بيان لسنة من سننه - تعالى - التى لا تتخلف.
أى: ومثل هذا الجزاء الحسن، والعطاء الكريم، الذى أكرمنا به موسى وأمه نعطى ونجازى المحسنين، الذين يحسنون أداء ما كلفهم الله - تعالى - به. فكل من أحسن فى أقواله وأعماله، أحسن الله - تعالى - جزاءه، وأعطاه الكثير من آلائه.
ثم حكى - سبحانه - بعض الأحداث التى تعرض لها موسى - عليه السلام - فى تلك الحقبة من عمره فقال: { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا }.
والمراد بالمدينة: مصر، وقيل: ضاحية من ضواحيها، كعين شمس، أو منف.
وجملة { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } حال من الفاعل. أى: دخلها مستخفيا.
قيل: والسبب فى دخوله على هذه الحالة، أنه بدت منه مجاهرة لفرعون وقومه بما يكرهون، فخافهم وخافوه. فاختفى وغاب، فدخلها متنكرا.
أى: وفى يوم من الأيام، وبعد أن بلغ موسى سن القوة والرشد، دخل المدينة التى يسكنها فرعون وقومه: { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } أى: دخلها مستخفيا فى وقت كان أهلها غافلين عما يجرى فى مدينتهم من أحداث، بسبب راحتهم فى بيوتهم فى وقت القيلولة، أو ما يشبه ذلك.
{ فَوَجَدَ } موسى { فِيهَا } أى فى المدينة { رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ } أى: يتخاصمان ويتنازعان فى أمر من الأمور.
{ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ } أى: أحد الرجلين كان من طائفته وقبيلته. أى: من بنى إسرائيل: { وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ } أى: والرجل الثانى كان من أعدائه وهم القبط الذين كانوا يسيمون بنى إسرائيل سوء العذاب.
{ فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } أى: فطلب الرجل الإِسرائيلى من موسى، أن ينصره على الرجل القبطى.
والاستغاثة: طلب الغوث والنصرة، ولتضمنه معنى النصرة عدى بعلى.
{ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } والفاء هنا فصيحة. والوكز: الضرب بجميع الكف.
قال القرطبى: والوكز واللكز واللهز بمعنى واحد، وهو الضرب بجميع الكف.
أى: فاستجاب موسى لمن استنصره به، فوكز القبطى، أى: فضربه بيده مضمومة أصابعها فى صدره، { فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } أى: فقتله. وهو لا يريد قتله، وإنما كان يريد دفعه ومنعه من ظلم الرجل الإِسرائيلي.
والتعبير بقوله - تعالى -: { فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } يشير إلى أن موسى - عليه السلام - كان على جانب عظيم من قوة البدن، كما يشير - أيضا - إلى ما كان عليه من مروءة عالية. حملته على الانتصار للمظلوم بدون تقاعس أو تردد.
ولكن موسى - عليه السلام - بعد أن رأى القبطى جثة هامدة، استرجع وندم، وقال: { هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } أى: قال موسى: هذا الذى فعلته وهو قتل القبطى، من عمل الشيطان ومن وسوسته، ومن تزيينه.
{ إِنَّهُ } أى: الشيطان { عَدُوٌّ } للإِنسان { مُّضِلٌّ } له عن طريق الحق { مُّبِينٌ } أى: ظاهر العداوة والإِضلال.
ثم أضاف إلى هذا الندم والاسترجاع، ندما واستغفارا آخر فقال: { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ }.
أى: قال موسى - عليه السلام - بعد قتله القبطى بدون قصد - مكررا الندم والاستغفار: يا رب إنى ظلمت نفسى، بتلك الضربة التى ترتب عليها الموت، فاغفر لى ذنبى، { فَغَفَرَ } الله - تعالى { لَهُ } ذنبه، { إِنَّهُ } - سبحانه - { هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } ثم أكد موسى عليه السلام - للمرة الثالثة، توبته إلى ربه، وشكره إياه على نعمه، فقال: { رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ }.
والظهير: المعين لغيره والناصر له. يقال: ظاهر فلان فلانا إذا أعانه، ويطلق على الواحد والجمع. ومنه قوله - تعالى -: { وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ }.
قال صاحب الكشاف: قوله { بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } يجوز أن يكون قسما جوابه محذوف، تقديره: أقسم بإنعامك على بالمغفرة لأتوبن { فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ }. وأن يكون استعطافا، كأنه قال: رب اعصمنى بحق ما أنعمت على من المغفرة فلن أكون - إن عصمتنى - ظهيرا للمجرمين.
وأراد بمظاهرة المجرمين إما صحبة فرعون وانتظامه فى جملته، وتكثيره سواده، حيث كان يركب بركوبه، كالولد مع الوالد. وكان يسمى ابن فرعون. وإما مظاهرة من أدت مظاهرته إلى الجرم والإِثم، كمظاهرة الإِسرائيلى المؤدية إلى القتل الذى لم يحل له.
وهذه الضراعة المتكررة إلى الله - تعالى - من موسى - عليه السلام -، تدل على نقاء روحه، وشدة صلته بربه، وخوفه منه، ومراقبته له - سبحانه -، فإن من شأن الأخيار فى كل زمان ومكان، أنهم لا يعينون الظالمين، ولا يقفون إلى جانبهم.
قال القرطبى: ويروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من مشى مع مظلوم ليعينه على مظلمته، ثبت الله قدميه على الصراط يوم القيامة، يوم تزل الأقدام، ومن مشى مع ظالم ليعينه على ظلمه، أزل الله قدميه على الصراط يوم تدحض فيه الأقدام".
ثم بين - سبحانه - ما كان من أمر موسى بعد هذه الحادثة فقال: { فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ }.
أى: واستمر موسى - عليه السلام - بعد قتله للقبطى، يساوره القلق، فأصبح يسير فى طرقات المدينة التى حدث فيها القتل، { خَآئِفاً } من وقوع مكروه به { يَتَرَقَّبُ } ما سيسفر عنه هذا القتل من اتهامات وعقوبات ومساءلات.
والتعبير بقوله { خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ } يشعر بشدة القلق النفسى الذى أصاب موسى - عليه السلام - فى أعقاب هذا الحادث، كما يشعر - أيضا - بأنه - عليه السلام - لم يكن فى هذا الوقت على صلة بفرعون وحاشيته، لأنه لو كان على صلة بهم، ربما دافعوا عنه، أو خففوا المسألة عليه.
و { إِذَا } فى قوله - تعالى -{ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ } فجائية.
ويستصرخه: أى: يستغيث به، مأخوذ من الصراخ وهو رفع الصوت، لأن من عادة المستغثيث بغيره أن يرفع صوته طالبا النجدة والعون.
أى: وبينما موسى على هذه الحالة من الخوف والترقب، فإذا بالشخص الإِسرائيلى الذى نصره موسى بالأمس، يستغيث به مرة أخرى من قبطى آخر ويطلب منه أن يعينه عليه.
وهنا قال موسى - عليه السلام - لذلك الإِسرائيلى المشاكس: { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ }.
والغوى: فعيل من أغوى يغوى، وهو بمعنى مغو، كالوجيع والأليم بمعنى: الموجع والمؤلم. والمراد به هنا: الجاهل أو الخائب أو الضال عن الصواب.
أى: قال له موسى بحدة وغضب: إنك لضال بين الضلال ولجاهل واضح الجهالة، لأنك تسببت فى قتلى لرجل بالأمس، وتريد أن تحملنى اليوم على أن أفعل ما فعلته بالأمس، ولأنك لجهلك تنازع من لا قدرة لك على منازعته أو مخاصمته.
ومع أن موسى - عليه السلام - قد قال للإِسرائيلى { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } إلا أن همته العالية، وكراهيته للظلم، وطبيعته التى تأبى التخلى عن المظلومين كل ذلك دفعه إلى إعداد نفسه لتأديب القبطى، ويحكى القرآن ذلك فيقول: { فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِٱلَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا.. }.
والبطش: هو الأخذ بقوة وسطوة. يقال: بطش فلان بفلان إذا ضربه بعنف وقسوة.
أى: فحين هيأ موسى - عليه السلام - نفسه للبطش بالقبطى الذى هو عدو لموسى وللإِسرائيلى، حيث لم يكن على دينهما.
{ قَالَ يٰمُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ }.
ويرى بعض المفسرين، أن القائل لموسى هذا القول، هو الإِسرائيلى، الذى طلب من موسى النصرة والعون، وسبب قوله هذا: أنه توهم أن موسى يريد أن يبطش به دون القبطى، عندما قال له: { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ }.
فيكون المعنى: قال الاسرائيلى لموسى بخوف وفزع: يا موسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا - هى نفس القبطى - بالأمس، وما تريد بفعلك هذا إلا أن تكون { جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ } أى: ظالما قتالا للناس فى الأرض، { وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ } الذين يصلحون، بين الناس، فتدفع التخاصم بالتى هى أحسن.
ويرى بعضهم أن القائل لموسى هذا القول هو القبطى، لأنه فهم من قول موسى للإِسرائيلى { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } أنه - أى: موسى - هو الذى قتل القبطى بالأمس.
وقد رجح الإِمام الرازى هذا الوجه الثانى فقال: والظاهر هذا الوجه، لأنه - تعالى - قال: { فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِٱلَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يٰمُوسَىٰ } فهذا القول إذن منه - أى من القبطى - لا من غيره - وأيضا قوله: { إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ } لا يليق إلا بأن يكون قولا من كافر - وهو القبطى -.
وما رجحه الإِمام الرازى هو الذى نميل إليه، وإن كان أكثر المفسرين قد رجحوا الرأى الأول، وسبب ميلنا إلى الرأى الثانى، أن السورة الكريمة قد حكت ما كان عليه فرعون وملؤه من علو وظلم واضطهاد لبنى إسرائيل، ومن شأن الظالمين أنهم يستكثرون الدفاع عن المظلومين، بل ويتهمون من يدافع عنهم بأنه جبار فى الأرض، لذا نرى أن القائل هذا القول لموسى، هو القبطى، وليس الإِسرائيلى - والله أعلم بمراده -.
وقوله - سبحانه -: { وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ.. } معطوف على كلام محذوف يرشد إليه السياق.
والتقدير: وانتشر خبر قتل موسى للقبطى بالمدينة، فأخذ فرعون وقومه فى البحث عنه لينتقموا منه... وجاء رجل - قيل هو مؤمن من آل فرعون - من أقصى المدينة، أى: من أطرافها وأبعد مكان فيها { يَسْعَىٰ.. } أى: يسير سيرا سريعا نحو موسى، فلما وصل إليه قال له: { يٰمُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ } وهم زعماء قوم فرعون.
{ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ } أى: يتشاورون فى أمرك ليقتلوك، أو يأمر بعضهم بعضا بقتلك، وسمى التشاور بين الناس ائتمارا، لأن كلا من المتشاورين يأمر الآخر، ويأتمر بأمره. ومنه قوله - تعالى -:
{ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ } أى: وتشاوروا بينكم بمعروف.
وقوله: { فَٱخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } أى: قال الرجل لموسى: مادام الأمر كذلك يا موسى فاخرج من هذه المدينة، ولا تعرض نفسك للخطر، إنى لك من الناصحين بذلك، قبل أن يظفروا بك ليقتلوك.
واستجاب موسى لنصح هذا الرجل { فَخَرَجَ مِنْهَا } أى: من المدينة، حالة كونه { خَآئِفاً } من الظالمين { يَتَرَقَّبُ } التعرض له منهم، ويعد نفسه للتخفى عن أنظارهم.
وجعل يتضرع إلى ربه قائلا: { رَبِّ نَجِّنِي } بقدرتك وفضلك { مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } بأن تخلصنى من كيدهم، وتحول بينهم وبينى، فأنا ما قصدت بما فعلت، إلا دفع ظلمهم وبغيهم.
وإلى هنا تكون السورة الكريمة، قد قصت علينا هذا الجانب من حياة موسى، بعد أن بلغ أشده واستوى، وبعد أن دفع بهمته الوثابة ظلم الظالمين، وخرج من مدينتهم خائفا يترقب، ملتمسا من خالقه - عز وجل - النجاة من مكرهم.
ثم حكت لنا السورة الكريمة بعد ذلك، ما كان منه عندما توجه إلى جهة مدين، وما حصل له فى تلك الجهة من أحداث، فقال - تعالى -: { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ... }.