التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٥٠
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٥١
قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٥٢
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
٥٣
يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ
٥٤
يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيِقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
٥٥
-العنكبوت

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

ومرادهم بالآيات فى قوله - تعالى -: { وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ } الآيات الكونية، كعصا موسى، وناقة صالح. ولولا حرف تحضيض بمعنى هلا.
أى: وقال المبطلون للنبى صلى الله عليه وسلم على سبيل التعنت والعناد، هلا جئتنا يا محمد بمعجزات حسية كالتى جاء بها بعض الأنبياء من قبلك، لكى نؤمن بك ونتبعك؟
وقوله: { قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } إرشاد من الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم إلى ما يرد به عليهم.
أى: قل - أيها الرسول - الكريم - فى ردك على هؤلاء الجاهلين، إنما الآيات التى تريدونها عند الله - تعالى - وحده، ينزلها حسب إرادته وحكمته، أما أنا فإن وظيفتى الإِنذار الواضح بسوء مصير من أعرض عن دعوتى، وليس من وظيفتى أن أقترح على الله - تعالى شيئاً.
وقوله - سبحانه -: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ.. } كلام مستأنف من جهته - تعالى - لتوبيخهم على جهالاتهم، والاستفهام للإِنكار، والواو للعطف على مقدر.
والمعنى: أقالوا ما قالوا من باطل وجهل، ولم يكفهم أنا أنزلنا عليك هذا الكتاب الناطق بالحق، يتلى على مسامعهم صباح مساء، ويديهم إلى ما فيه سعادتهم، لو تدبروه وآمنوا به، واتبعوا أوامره ونواهيه؟
والتعبير بقوله - سبحانه -: { يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ }، يشير إلى أن هذه التلاوة متجددة عليهم، وغير منقطعة عنهم، وكان فى إمكانهم أن ينتفعوا بها لو كانوا يعقلون.
ولذا ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله: { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }.
أى: إن فى ذلك الكتاب الذى أنزلناه عليك - أيها الرسول الكريم -، والذى تتلوه عليهم صباح مساء، لرحمة عظيمة، وذكرى نافعة، لقوم يؤمنون بالحق، ويفتحون عقولهم للرشد، لا للتعنت والجحود والعناد.
ثم أرشده - سبحانه - إلى جواب آخر يرد به عليهم فقال: { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً }. اى: قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الجاهلين: يكفينى كفاية تامة أن يكون الله - تعالى - وحده، هو الشهيد بينى وبينكم على أنى صادق فيما أبلغه عنه، وعلى أن هذا القرآن من عنده.
وهو - سبحانه - { يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } علماً لا يعزب عنه شئ، وسيجازينى بما أستحقه من ثواب، وسيجازيكم بما تستحقونه من عقاب.
{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْبَاطِلِ } وأعرضوا عن الحق { وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ } - تعالى - مع وضوح الأدلة على أنه - سبحانه - هو المستحق للعبادة والطاعة.
الذين فعلوا ذلك: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } خسارة ليس بعدها خسارة، حيث آثروا الغى على الرشد، واستحبوا العمى على الهدى، وسيكون أمرهم فرطاً فى الدنيا والآخرة.
وقوله - عز وجل -: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ... } بيان للون آخر من ألوان انطماس بصيرة هؤلاء الكافرين، ومن سفاهاتهم وجهالاتهم. أى: أن هؤلاء المشركين لم يكتفوا تبكذيبك - أيها الرسول الكريم - بل أضافوا إلى ذلك، التطاول عليك، لسوء أدبهم، وعدم فهمهم لوظيفتك. بدليل أنهم يطلبون منك أن تنزل عليهم العذاب بعجلة وبدون إبطاء، على سبيل التحدى لك. كما قالوا فى موطن آخر:
{ { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } }. ثم يبين الله - تعالى - حكمته فى تأخير عذابه عنهم إلى حين فيقول: { وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ... }. أى: يستعجلك المشركون يا محمد فى نزول العذاب بهم، والحق أنه لولا أجل مسمى، ووقت معين،حدده الله - تعالى - فى علمه لنزول العذاب بهم، لجاءهم العذاب فى الوقت الذى طلبوه، بدون إبطاء أو تأخير.
ومع ذلك فقل لهم - أيها الرسول الكريم - إن هذا العذاب آت لا ريب فيه فى الوقت الذى يشاؤه الله - تعالى -، وإن هذا العذاب المدمر المهلك: { لَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أى: ليحلن عليهم فجأة وبدون مقدمات، والحال أنهم لا يشعرون به، بل ياتيهم بغتة فيبهتهم، ويستأصل شأفتهم.
ثم كرر - سبحانه - أقوالهم على سبيل التعجيب من حالهم، والتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما لقيه منهم. فقال: { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ }.
آى: يستعجلونك - أيها الرسول الكريم - بالعذاب، الذى لا يطلبه أحد فى ذهنه مثقال ذرة من عقل، والحال أن ما استعجلوه سينزل بهم لا محالة، وستحيط بهم جهنم من كل جانب.
ثم بين - سبحانه - كيفية إحاطة جهنم بهم فقال: { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ }.
أى: ستحيط بهم جهنم من كل جانب. يوم يحل بهم العذاب { مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } أى: من جميع جهاتهم.
{ وَيِقُولُ } - سبحانه - لهم، على سبيل التقريع والتأنيب { ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أى: تذوقوا العذاب المهين الذى كنتم تستعجلونه فى الدنيا والذى أحاط بكم من كل جانب بسبب أعمالكم القبيحة، وأقوالكم الباطلة.
وبعد أن بين - سبحانه - سوء عاقبة المكذبين، الذين استعجلوا العذاب لجهلهم وعنادهم، أتبع ذلك بتوجيه نداء إلى المؤمنين أمرهم فيه بالثبات على الحق فقال - تعالى -: { يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ...وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }.