التفاسير

< >
عرض

وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأَمُورِ
٢٢
وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٢٣
نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ
٢٤
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٢٥
لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ
٢٦
-لقمان

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

وقوله - تعالى -: { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ } أى: ومن يتجه إلى الله - تعالى - ويذعن لأمره، ويخلص له العبادة، وهو محسن فى أقواله وأفعاله.
من يفعل ذلك { فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ } والعروة فى أصل معناها: تطلق على ما يتعلق بالشئ من عراه، أى من الجهة التى يجب تعليقه منها. وتجمع على عرا.
والعروة من الدلو مقبضه، ومن الثوب: مدخل زره.
والوثقى: تأنيث الأوثق، وهو الشئ المحكم الموثق. يقال: وثق - بالضم - وثاقه، أى: قوى وثبت فهو وثيق، أى: ثابت محكم.
والمعنى: ومن يستسلم لأمر الله - تعالى - ويأتى بالأقوال والأفعال على وجه حسن، فقد ثبت أمره، واستقام على الطريقة المثلى، وأمسك من الدين بأقوى سبب، وأحكم رباط.
فقد شبه - سبحانه - المتوكل عليه فى جميع أموره، المحسن فى أفعاله، بمن ترقى فى حبل شاهق، وتدلى منه، فاستمسك بأوثق عروة، من حبل متين مأمون انقطاعه.
وخص - سبحانه - الوجه بالذكر، لأنه أكرم الأعضاء وأعظمها حرمة، فإذا خضع الوجه الذى هو أكرم الأعضاء، فغيره أكثر خضوعا.
وقوله: { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأَمُورِ } أى: وإلى الله - تعالى - وحده تصير الأمور، وترجع إليه، وتخضع لحكمه وإرادته.
وقوله - تعالى -: { وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ... } تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من حزن بسبب إصرار الكافرين على كفرهم.
أى: ومن استمر أيها الرسول - على كفره بعد أن بلغته رسالتنا ودعوتنا، فلا يحزنك بعد ذلك بقاؤه على كفره وضلاله، فأنت عليك البلاغ، ونحن علينا الحساب، وإنك لا تهدى من أحببت، ولكن الله يهدى من يشاء.
وقوله - سبحانه -: { إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوۤاْ... } بيان لسوء مصيرهم.
أى: إلينا وحدنا مرجع هؤلاء الكافرين، فنخبرهم بما عملوه فى الدنيا من أعمال سيئة، ونجازيهم عليها بما يستحقونه من عقاب.
{ إِنَّ ٱللَّهَ } - تعالى - { عَلِيمٌ } علما تاما { بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أى: بمكنونات الصدور وخفاياها..
{ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً } فى هذه الحياة الدنيا. أن نمتعهم تمتيعا قليلا فى دنياهم، بأن نعطيهم الأموال والأولاد على سبيل الاستدراج.
{ ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ } أى نعطيهم فى حياتهم القصيرة ما يتمتعون به من مال وصحة... ثم نلجئهم وندفعهم دفعا يوم القيامة الى عذاب مروع فظيع، لضخامة ثقله، وشدة وقعه.
والمراد بالاضطرار: الإِلجاء والقسر والإِلزام، أى: أنهم لا يستطيعون التفلت أو الانفكاك عن هذا العذاب الذى أعد لهم.
ووصف - سبحانه - العذاب بالغلظ، لزيادة تهويله وشدته. فهو ثقيل عليهم ثقل الأجرام الضخمة التى تهوى على رأس الإِنسان، فتشل حركته وتهلكه.
ثم بين - سبحانه - ما كان عليه هؤلاء الكافرون من تناقض بين أقوالهم وأفعالهم فقال:
{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } أيها الرسول الكريم - { مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } وأوجدهما على هذا النظام البديع.. { لَيَقُولُنَّ } فى الجواب { ٱللَّهُ } أى: الله - تعالى - هو الذى خلقهما، وهو الذى أوجدهما.
{ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } قل - أيها الرسول الكريم - الحمد لله - تعالى - وحده، حيث اعترفتم بأن خالقهما هو الله، وما دام الأمر كذلك، فكيف أشركتم معه فى العبادة غيره؟ إن قولكم هذا الذى تؤيده الفطرة، ليتنافى مع ما أنتم عليه من كفر وضلال.
وقوله - سبحانه - { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } إضراب عن أقوالهم إلى بيان واقعهم، أى: بل أكثرهم لا يعلمون الحقائق علما سليما، وإنما هم يقولون بألسنتهم، وما يتباين تباينا تاما مع أفعالهم، وهذا شأن الجاهلين، الذين انطمست بصائرهم..
ثم بين - سبحانه - ما يدل على عظم قدرته، وشمول ملكه فقال: { لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ }. أى: لله - تعالى - وحده، ما فى السماوات وما فى الأرض، خلقا، وملكا، وتصرفا..
{ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ } عن كل ما سواه { ٱلْحَمِيدُ } أى: المحمود من أهل الأرض والسماء، لأنه هو الخالق لكل شئ، والرازق لكل شئ.
ثم ساق - تعالى - بعد ذلك ما يدل على شمول علمه، ونفاذ قدرته، فقال - سبحانه - { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ....سَمِيعٌ بَصِيرٌ }.