التفاسير

< >
عرض

الۤـمۤ
١
تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ
٢
هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ
٣
ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
٤
أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٥
-لقمان

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

سورة لقمان من السور التى بدئت ببعض حروف التهجى...
وقد فصلنا القول فى معانيها، عند تفسيرنا لسور: البقرة، وآل عمران وغيرهما.
وقلنا فى نهاية سردنا لأقوال العلماء فى ذلك: ولعل أقرب الأقوال إلى الصواب أن يقال: إن هذه الحروف المقطعة، قد وردت فى افتتاح بعض السور، للإِشعار بأن هذا القرآن الذى تحدى الله به المشركين، هو من جنس الكلام المركب من هذه الحروف التى يعرفونها. فإذا عجزوا عن الإِتيان بسورة من مثله، فذلك لبلوغه فى الفصاحة والحكمة، مرتبة يقف فصحاؤهم وبلغاؤهم دونها بمراحل شاسعة..
واسم الإِشارة فى قوله - سبحانه -: { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } يعود إلى آيات القرآن الكريم، ويندرج فيها آيات السور التى معنا.
والمراد بالكتاب: القرآن الكريم على الصحيح. لأنه هو المتحدث عنه.
قال الآلوسى: وأما حمله على الكتب التى خلت قبل القرآن.. فهو فى غاية البعد، والحكيم - بزنة فعيل - مأخوذ من الفعل حكم بمعنى منع، تقول: حكمت الفرس، إذا وضت الحكمة فى فمها لمنعها من الجموح والشرود.
والمقصود، أن هذا القرآن ممتنع أن يتطرق إليه الفساد، ومبرأ من الخلل والتناقض والاختلاف.
قال الإِمام الرازى ما ملخصه: وفى وصف الكتاب بكونه حكيما وجوه، منها: أن الحكيم هو ذو الحكمة، بمعنى اشتماله على الحكمة، فيكون الوصف للنسبة كلابن وتامر. ومنها أن الحكيم بمعنى الحاكم، بدليل قوله - تعالى -:
{ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } }. ومنها أن الحكيم بمعنى المحكم.. "أى المبرأ من الكذب والتناقض".
والمعنى: تلك الآيات السامية، المنزلة عليك يا محمد، هى آيات الكتاب، المشتمل على الحكمة والصواب، المحفوظ من كل تحريف أو تبديل الناطق بكل ما يوصل إلى السعادة الدنيوية والأخروية.
وصحت الإِشارة إلى آيات الكتاب مع أنها لم تكن قد نزلت كلها لأن الإِشارة إلى بعضها كالإِشارة إلى جميعها، حيث كانت بصدد الإِنزال، ولأن الله - تعالى - قد وعد رسوله صلى الله عليه وسلم بنزول القرآن عليه، كما فى قوله - تعالى -:
{ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } }. ووعد الله - تعالى - لا يتخلف.
وقوله { هُدًى وَرَحْمَةً } منصوبان على الحالية من { آيَاتُ }.
أى: هذا الكتاب أنزلنا عليك يا محمد آياته، لتكون هداية ورحمة للمحسنين فى أقوالهم وفى أفعالهم، وفى كل أحوالهم.
ثم وصف - سبحانه - هؤلاء المحسنين، بصفات كريمة فقال: { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } أى: يؤدونها فى أوقاتها المحددة لها، مستوفية لواجباتها، وسننها، وآدابها وخشوعها، فإن الصلاة التامة هى تلك التى يصحبها الإِخلاص، والخشوع، والأداء الصحيح المطابق لما ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم.
{ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } أى: ويعطون الزكاة التى أوجبها الله - تعالى - فى أموالهم لمستحقيها { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } والمراد بالآخرة: الدار الآخرة، وسميت بذلك لأنها تأتى بعد الدنيا التى هى الدار الدنيا.
وقوله { يُوقِنُونَ } من الإِيقان، وهو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، بحيث لا يطرأ عليك شك، ولا تحوم حوله شبهة..
أى: أن من صفات هؤلاء المحسنين، أنهم يؤدون الصلاة بخشوع وإخلاص، ويقدمون زكاة أموالهم لمستحقيها، وهم بالآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب، يوقنون إيقانا قطعيا، لا اثر فيه للادعاءات الكاذبة، والأوهام الباطلة.
وفى إيراد "هم" قبل لفظ الآخرة. وقبل لفظ يوقنون: تعريض بغيرهم ممن كان اعتقادهم فى أمر الآخرة غير مطابق للحقيقة، أو غير بالغ مرتبة اليقين.
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك الثمار الطيبة التى ترتبت على تلك الصفات الكريمة، فقال - تعالى -: { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }.
والمفلحون: من الفلاح وهو الظفر والفوز بدرك البغية. واصله من الفلح - بسكون اللام - وهو الشق والقطع، ومنه فلاحة الأرض وهو شقها للحرث، واستعمل منه الفلاح فى الفوز، كأن الفائز شق طريقه وفلحه، للوصول إلى مبتغاه، أو انفتحت له طريق الظفر وانشقت.
والمعنى: أولئك المتصفون بما تقدم من صفات كريمة، على هداية عظيمة من ربهم توصلهم إلى المطلوب، وأولئك هم الفائزون بكل مرغوب.
والتنكير فى قوله { عَلَىٰ هُدًى } للتعظيم، وأتى بلفظ "على" للاشارة إلى التمكن والرسوخ، ووصفه بأنه { مِّن رَّبِّهِمْ } لأنه - سبحانه - هو الذى وفقهم إليه، ويسر لهم أسبابه.
ثم بين - سبحانه - حال طائفة أخرى من الناس، كانوا على النقيض من سابقيهم، فقال: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي...فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }.