التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ
١٥
أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ
١٦
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ
١٧
أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ
١٨
وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ
١٩
وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ
٢٠
أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ
٢١
بَلْ قَالُوۤاْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ
٢٢
وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ
٢٣
قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
٢٤
فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ
٢٥
-الزخرف

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

والمراد بالجعل فى قوله - تعالى -: { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا... } الاعتقاد الباطل، والحكم الفاسد. والمراد بالجزء الولد. والمقصود به خصوص البنات، كما يدل عليه سياق الآيات.
قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا... } متصل بقوله - تعالى - قبل ذلك:
{ { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ... } والمراد بيان تناقضهم فى أنفسهم.. حيث اعترفوا بأنه - تعالى - خالق السماوات والأرض، ثم وصفوه بصفات المخلوقين..
وعبر عن الولد بالجزء، لأنه بضعة - وفرع - من والده، كما قيل: أولادنا أكبادنا.. وقيل الجزء: اسم للإِناث، يقال: أجزأت المرأة إذا ولدة أنثى..
أى: أن هؤلاء المشركين بلغ من تناقضهم فى أقوالهم وأفعالهم، أنهم إذا سألهم سائل عن خالق هذا الكون قالوا: الله. ومع ذلك فهم لجهالتهم اعتقدوا اعتقادا باطلا بأن الملائكة بناته، مع أن الملائكة من مخلوقاته التى يشملها هذا الكون.
فالمقصود من الآية الكريمة تجهيل هؤلاء المشركين، وتعجيب كل عاقل من سفاهتهم.
والظاهر أن المراد بالإِنسان فى قوله - تعالى -: { إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } الكافر والفاسق من بنى آدم، لأن الإِنسان المؤمن لا يجحد نعم الله، وإنما يشكره - تعالى - عليها.
أى: إن الإِنسان الكافر والفاسق عن أمر ربه، لشديد الجحود لنعم ربه، مظهرا ذلك فى أقواله وفى أفعاله.
ثم ساق - سبحانه - ما يدل على السخرية منهم ومن أحوالهم الشاذة فقال: { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ } فالاستفهام للتوبيخ والإِنكار.
و { أَصْفَاكُم } أى: آثركم واختصكم. يقال: أصفى فلان فلانا بالشىء، إذا اختصه به. ومنه قولهم لما يختص السلطان به نفسه من الأشياء النفسية: الصوافى.
أى: لقد زعمتم أن الملائكة بنات الله، فخبرونى بربكم هلى يعقل أن يتخذ الله - تعالى - أولاده من البنات اللائى هن أقل منزلة من البنين فى تقديركم، ويترك لكم الذكور؟ إن من شأن الذى يختار جنس الأولاد أن يختار أعلاهم منزلة فبأى منطق زعمتم أن الملائكة بنات الله.
قال صاحب الكشاف: قوله: { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ... } أى: بَلْ آتخذ والهمزة للإِنكار، تجهيلا لهم، وتعجيبا من شأنهم، حيث لم يرضوا بأن جعلوا لله من عباده جزءا حتى جعلوا ذلك الجزء شر الجزءين. وهو الاِّناث دون الذكور..
فكأنه قيل: هبوا أن إضافة اتخاذ الولد إليه - تعالى - جائزة فرضا وتمثيلا أما تستحون من الشطط فى القسمة، ومن ادعائكم أن آثركم على نفسه بخير الجزءين..؟.
ثم أكد - سبحانه - جهلهم وغفلتهم عن المنطق السليم فقال: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ.. }.
أى: أنهم قالوا الملائكة بنات الله، والحال أن الواحد منهم إذا بشره بأن امرأته قد ولدت له أنثى، صار وجهه مسودا من شدة الحزن، وظل ممتلئا بالهم والكرب.
فالمراد بقوله: { بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً } جنس البنات حيث قالوا: الملائكة بنات الله.
قال الجمل: قوله: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم... } استئناف مقرر لما قبله. وقيل حال، على معنى أنهم نسبوا إليه ما ذكر، ومن حالهم أن أحدهم إذا بشر به اغتم والالتفات إلى الغيبة للإِيذان بأن قبائحهم اقتضت الإِعراض عنهم، وتحكى لغيرهم ليتعجب منها. و { مَا } فى قوله { بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً } موصولة ومعناها البنات وضرب بمعنى جعل. والمفعول الأول الذى هو عائد الموصول محذوف. أى: ضربه، ومثلا هو المفعول الثانى، والمثل بمعنى الشبه أى المشابه.
ثم أضاف - سبحانه - إلى تبكيتهم السابق تبكيتا آخر فقال: { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ }.
والاستفهام للإِنكار. وكلمة { مَن } عبارة عن جنس الإِناث. وهى فى محل نصب بمضمر معطوف على { جَعَلُواْ } و { يُنَشَّأُ } يربى وينشأ. يقال: نشأ فلان فى بنى فلان، إذا شب وترعرع فيهم و { ٱلْحِلْيَةِ }: اسم لما يتحلى ويتزين به.
أى: أيجترئون ويجعلون لله - تعالى - الإِناث، اللائى من شأنهن أن ينشأن فى الزينة، لأن هذه الحياة هى المناسبة لهن ولتكوينهن الجسدى، واللائى من شأن معظمهن أنهن لا يقدرون على الدفاع عن أنفسهن لضعفهن وقصورهن فى الجدال وفى بيان الحجة التى ترد الخصم، وتزيل الشبهة...
فالمقصود من الآية الكريمة تأنيب هؤلاء المشركين على جهلهم وسوء أدبهم، حيث إنهم نسبوا إلى الله - تعالى - الإِناث اللائى من شأنهن النشأة فى الحلية والدعة والنعومة، فصرن بمقتضى هذه النشأة، وبمقتضى تكوينهن البدنى والعقلى، لا يقدرن على جدال أو قتال.. بينما نسبوا إلى أنفسهم الذكور الذين هم قوامون على النساء.
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -:
{ { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } }. ثم توعدهم - سبحانه - بسوء المصير بسبب افترائهم الكذب فقال: { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ... } والجعل هنا بمعنى القول والحكم على الشئ، كما تقول جعلت زيدا أفضل الناس، أى حكمت عليه بذلك.
أى: أن هؤلاء المشركين زعموا وحكموا بأن الملائكة الذين هم عباد الرحمن، وصفوة خلقه، وأهل طاعته، وزعموا أنهم إناث، فهل كانوا حاضرين وقت أن خلقناهم حتى حكموا عليهم بهذا الحكم الباطل؟
كلا إنهم لم يكونوا حاضرين، ولذا { سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ } فى صحائف أعمالهم المليئة بالسيئات { وَيُسْأَلُونَ } عنها سؤال تأنيب وتوبيخ يوم القيامة.
فالمراد بالكتابة والسؤال: معاقبتهم على افترائهم الكذب. وتجهيلهم فيما قالوه، ثم حكى - سبحانه - لونا من ألوان معاذيرهم الكاذبة فقال: { وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ }.
أى: وقال هؤلاء المشركون على سبيل الاحتجاج بالأعذار الباطلة: لو شاء الرحمن عدم عبادتنا للملائكة أو للأصنام ما عبدناهم.
ثم يرد الله - تعالى - عليهم بما يخرس ألسنتهم، ويهدم معاذيرهم فقال: { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }.
أى: قالوا ما قالوه من غير علم أو برهان.. لأن مشيئة الله لا يعلمها أحد سواه، ولأنه - سبحانه - قد اقتضت حكمته ومشيئته. أن يجعل للانسان القدرة على اختيار طريق الحق أو طريق الباطل، وهم قد اختاروا طريق الباطل، واستحبوا الكفر على الإِيمان دون أن يكرههم على ذلك مكره، فما قالوه ما هو إلا نوع من أنواع خرصهم وكذبهم وظنونهم الفاسدة.
وقد فصلنا القول فى مسألة المشيئة عند تفسيرنا لقوله - تعالى - فى سورة الأنعام:
{ { سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا... } }. وعند تفسيرنا لقوله - تعالى - فى سورة النحل: { { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا.. } }. وقوله - تعالى -: { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } إضراب عن نفى أن يكون لهم فيما ادعوه علم عن طريق العقل، إلى إبطال أن يكون لهم علم من جهة النقل. و { أَمْ } بمعنى بل والهمزة. والاستفهام للإِنكار والتوبيخ، أى: بل أأعطيناهم كتابا من قبل القرآن، فيه ما يشهد بصحة أقوالهم فهم بهذا الكتاب مستمسكون؟ كلا إننا لم نعطهم شيئا من ذلك.
ثم بين - سبحانه - مستندهم الحقيقى فقال: { بَلْ قَالُوۤاْ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ }.
أى: أنهم ليس لهم فى الحقيقة مستند لا من العقل ولا من النقل، وإنما مستندهم الوحيد تقليدهم لآبائهم فى جهالاتهم وسفاهاتهم وكفرهم. فقد قالوا عندما دعاهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الدين الحق: إنا وجدنا آباءنا على أمة، أى على دين وطريقة تؤم وتقصد، وهى عبادة هذه الآلهة { وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم } وطريقتهم { مُّهْتَدُونَ } أى: سائرون بدون تفكر أو تدبر، أو حجة أو دليل، فهم أشبه ما يكونون بقطيع الأنعام الذى يسير خلق قائده دون أن يعرف إلى أى طريق يسير..
وقوله - سبحانه -: { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه منهم من أذى، ومن قول باطل.
و{ الكاف } بمعنى مثل. واسم الإِشارة ذلك يعود إلى حال الكافرين من قبلهم.
أى: لا تحزن - أيها الرسول الكريم - لما تراه من إعراض المشركين عن دعوتك. فإن شأنهم كشأن سابقيهم فى الكفر والضلال، فإننا ما أرسلنا من قبلك من رسول فى قرية من القرى، أو فى قوم من الأقوام، إلا قال المنعمون منهم، والذين أبطرهم الترف لمن جاءهم بالحق: إنا وجدنا آباءنا على دين وطريقة تؤم وتقصد، وإنا على آثارهم، وعلى نهجهم، مقتدون. أى: مقتدون بهم فى عبادتهم وأفعالهم.
وخص المترفين بالذكر، لأنهم القادة الذين صرفهم التنعم وحب الجاه والسلطان، عن النظر والتدبر والاستماع للحق، وجعلهم يستحبون العمى على الهدى.
وهنا يحكى القرآن رد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيقول: { قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ.. }.
أى: قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لقومه الذين أصروا على تقليد آبائهم فى الكفر والضلال: أتتبعون آباءكم وتقتدون بهم فى الكفر، حتى جئتكم بدين أهدى وأصوب مما كان عليه آباؤكم؟
وقوله: - تعالى -: { قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ } قراءة ابن عامر وحفص عن عاصم. وقرأ الجمهور { قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ... } على أن الأمر للرسول - صلى الله عليه وسلم.
وقوله - تعالى -: { قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } أى: قال المترفون فى الرد على رسلهم: إنا بما أرسلتم به من الهدى والدعوة إلى الدين الحق كافرون، وباقون على الدين الذى كان عليه آباؤنا.
وقوله - سبحانه -: { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } بيان للعاقبة السيئة التى حاقت بهم بسبب إصرارهم على كفرهم وتقليدهم لآبائهم.
أى: قالوا للرسل هذا القول الذى يدل على إيثارهم الغى على الرشد، فانتقمنا منهم بأن أخذناهم أخذ عزيز مقتدر، فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا.
{ فَٱنظُرْ } - أيها العاقل - وتأمل { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } لقد كانت عاقبتهم أن دمرناهم تدميرا.
هذا، والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة، يراها من أجمع الآيات القرآنية التى حكت الأقوال الباطلة التى تفوه بها المشركون، وردت عليهم ردا منطقيا حكيما يهدمها من قواعدها.
لقد ذكرت - أولا - أنهم جعلوا الله - تعالى - من عباده جزاء... ثم ردت عليهم بأنهم جاحدون لنعم الله، وأنهم لو كانوا يعقلون لما حكموا هذا الحكم الذى يدل على جهلهم وغفلتهم، لأنه لو كان الأمر كما ذكروا - على سبيل الفرض والتقدير - لما اختار - سبحانه - لذاته جنس البنات، وأعطاهم البنين..
ثم ذكرت - ثانيا - حالهم عندما يبشرون بالأنثى، وتهكمت بهم حين نسبوا إلى الله { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } والمقصود بذلك جنس البنات، ثم ذكرت - ثالثا - أنهم حكموا على الملائكة بأنهم إناث، وردت عليهم بأن حكمهم هذا ساقط، لأنهم لم يشهدوا خلقهم حتى يحكموا عليهم هذا الحكم الفاسد، وأنهم سيجازون على أحكامهم التى لا دليل عليها، بما يستحقون من عقاب.
ثم ذكرت - رابعا - معاذيرهم التى اعتذروا بها عندما حاصرتهم الحجج الدامغة، فقد قالوا: { لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ } فرد - سبحانه - عليهم بقوله: { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }، لأن قولهم هذا ما هو إلا لون من ألوان الاحتيال على الحقيقة بالأقوال الساقطة.
ثم ذكرت - خامسا - أنهم فى إصرارهم على كفرهم لم يستندوا إلى دليل عقلى أو نقلى، وإنما استندوا على شئ واحد هو التقليد لآبائهم فى جهلهم وضلالهم..
وهكذا ذكر القرآن أقوالهم وشبهاتهم.. ثم رد عليها بما يدحضها..
وبعد هذا البيان الماحق لشبهات المشركين ولأقوالهم الباطلة.. أتبع - سبحانه - ذلك بذكر جانب من قصة إبراهيم - عليه السلام - مع قومه، وبذكر جانب من اعتراضاتهم على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى دعوته، ورد عليها بما يخرس ألسنتهم فقال - تعالى -: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ... وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }.