أى: إن الذين اتقوا الله - تعالى - وصانوا أنفسهم عن كل ما لا يرضيه سيكونون يوم القيامة {فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} أى: فى مكان يأمن معه صاحبه من كل خوف.
فالمراد بالمقام - بالفتح - موضع القيام، أى: الثبات والملازمة. وقرأ ابن عامر ونافع، {مَقَامٍ} - بضم الميم - أى: موضع الإِقامة. والمراد أنهم فى مكان أو مجلس لا خوف فيه ولا مكروه.
وقوله: {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} بدل من {مَقَامٍ أَمِينٍ} بأعادة حرف الجر أى: هم فى مكان آمن، تتوسطه وتحيط به البساتين الناضرة، وعيون الماء المتفجرة.
{يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ} والسندس هو أجود أنواع الحرير وأرقه، واحدة سندسة.
{وَإِسْتَبْرَقٍ} وهو ما كان سميكا من الديباج والحرير.
{مُّتَقَابِلِينَ} أى: يجلسون فى مجالس متقابلة، بحيث ينظر بعضهم إلى بعض.
{كَذَلِكَ} أى: الأمر كذلك. من أن المتقين لهم كل هذا النعيم.
{وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} أى: وزوجناهم بنساء يحار الطرف فيهم لجمالهن وحسنهن، والحور: جمع حوراء.. وهى التى يحار الطرف فيها لفرط جمالها. والعين: جمع عيناء. وهى التى اتسعت عينها فى حسن وجمال.
{يَدْعُونَ فِيهَا} أى: فى الجنات {بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ}.
أى: يطلبون ويأمرون غيرهم بأن يحضر لهم كل ما يشتهونه من فاكهة أو غيرها، فيلبى طلبهم وهم آمنون فى أماكنهم من كل خوف أو ضرر.
ثم بين - سبحانه - أن بقاءهم فى تلك الجنات بقاء دائم فقال: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ}.
أى: هم باقون بقاء دائما فى تلك الجنات، بحيث لا يموتون فيها أبدا، إلا الموتة الأولى التى ذاقوها عند نهاية آجالهم فى الدنيا، ووقاهم - سبحانه - بعدها عذاب الجحيم، الذى حل بالكافرين.
قال الآلوسى: وقوله: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ} جملة مستأنفة أو حالية، وكأنه أريد أن يقال: لا يذوقون فيها الموت البتة، فوضع الموتة الأولى موضع ذلك، لأن الموتة الماضية محال ذوقها فى المستقبل فهو من باب التعليق بالمحال، كأنه قيل: إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها فى المستقبل فإنهم يذوقونها. ونظيره قول القائل لمن يستسقيه: لا أسقيك إلا الجمر، وقد علم أن الجمر لا يسقى.
وقوله {فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ} أى: أعطوا كل ذلك فضلا من ربك، فقوله {فَضْلاً} منصوب على المصدرية بفعل محذوف. أو على أنه مفعول لأجله. أى: لأجل الفضل منه - سبحانه -.
{ذَلِكَ} الذى أعطيناهم إياه {هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ} الذى لا يدانيه ولا يساميه فضل.
{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} أى: فإنما أنزلناه عليك - يا محمد - هذا القرآن وجعلناه بلغتك ولغة قومك {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ما فيه من هدايات ويعتبرون بما اشتمل عليه من عبر وعظات.
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله: {فَٱرْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ}.
أى: فعلنا ذلك لعلهم يتذكرون، فإن لم يتذكروا ويتعظوا ويؤمنوا بما جئتهم به. فارتقب وانتظر ما يحل بهم من عذاب، وما وعدناك به من النصر عليهم، إنهم - أيضا - منتظرون ومرتقبون ما يحل بك من موت أو غيره.
ونحن بفضلنا ورحمتنا سنحقق لك ما وعدناك به، وسنخيب ظنونهم وآمالهم.
وبعد فهذا تفسير وسيط لسورة "الدخان". نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصا لوجهه، ونافعا لعباده.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.