التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ
١٠١
قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ
١٠٢
-المائدة

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

قد ذكر المفسرون فى سبب نزول هاتين الآيتين روايات متعددة، منها ما حكاه القرطبى فى قوله: روى البخارى ومسلم وغيرهما - واللفظ للبخارى - عن أنس قال: "قال رجل للنبى صلى الله عليه وسلم يا رسول الله من أبى؟ قال: أبوك فلان" .
وخرج البخارى أيضا عن أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم وفيه: "فوالله لا تسألونى عن شىء إلا أخبرتكم به ما دمت فى مقامى هذا فقام إليه رجل فقال: أين مدخلى يا رسول الله؟ قال النار فقام عبد الله بن حذافة - وكان إذا لا حى يدعى إلى غيره أبيه - فقال من أبى يا رسول الله؟ فقال: أبوك حذافة" ..
وروى الدارقطنى والترمذى عن على رضى الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } قالوا: "يا رسول الله، أفى كل عام؟ فسكت. فقالوا: أفى كل عام؟ قال: لا ولو قلت نعم لوجبت" فأنزل الله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } .. الآية.
وروى مجاهد عن ابن عباس أنها نزلت فى قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام.
ثم قال القرطبى: ويحتمل أن تكون الآية نزلت جوابا للجميع، فيكون السؤال قريبا بعضه من بعض".
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بالله حق الإِيمان، لا تسألوا نبيكم صلى الله عليه وسلم أو غيره، عن أشياء تتعلق بالعقيدة أو بالأحكام الشرعية أو بغيرها. هذه الأشياء { إِن تُبْدَ لَكُمْ } وتظهر { تَسُؤْكُمْ } أى: تغمكم وتحزنكم وتندموا على السؤال عنها لما يترتب عليها من إحراجكم. ومن المشقة عليكم، ومن الفضيحة لبعضكم.
فالآية الكريمة - كما يقول ابن كثير - تأديب من الله لعباده المؤمنين، ونهى لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم فى السؤال والتنقيب عنها، لأنها إن ظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم، وشق عليهم سماعها، كما جاء فى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يبلغنى أحد عن أحد شيئا، فإنى أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر" .
وقد وجه - سبحانه - النداء إليهم بصفة الإِيمان، لتحريك حرارة العقيدة فى نفوسهم، حتى يستجيبوا بسرعة ورغبة إلى ما كلفوا به.
وقوله: { أشياء } اسم جمع من لفظ شىء، فهو مفرد لفظا جمع معنى كطرفاء وقصباء - وهذا رأى الخليل وسيبويه وجمهور البصريين -.
ويرى الفراء أن أشياء جمع لشىء. وهو ممنوع من الصرف لألف التأنيث الممدودة، ومتعلق بقوله: { تسألوا }.
ومفعول { تسألوا } محذوف للتعميم. أى: لا تسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم ولا تسألوا غيره عن أشياء لا فائدة من السؤال عنها، بل إن السؤال عنها قد يؤدى إلى إحراجكم وإلى المشقة عليكم.
وقوله: { إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } صفة لأشياء داعية إلى الانتهاء عن السؤال عنها.
وعبر "بإن" المفيدة للشك وعدم القطع بوقوع الشرط والجزاء للإِشارة إلى أن هذا الشك كاف فى تركهم للسؤال عن هذه الأشياء، فإن المؤمن الحق يبتعد عن كل ما لا فائدة من ورائه من أسئلة أو غيرها.
وقوله: { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ } معطوف على ما قبله وهو قوله: { إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }.
والضمير فى قوله: { عنها } يعود على { أشياء } و { حين } ظرف زمان منصوب بالفعل { تسألوا }.
والمعنى: لا تكثروا - أيها المؤمنون - من الأسئلة التى لا خير لكم فى السؤال عنها، إن تسألوا عن أشياء نزل بها القرآن مجملة، فتطلبوا بيانها تبين لكم حينئذ لاحتياجكم إليها.
قال الفخر الرازى: السؤال على قسمين:
أحدهما: السؤال عن شىء لم يجر ذكره فى الكتاب والسنة بوجه من الوجوه. فهذا السؤال منهى عنه بقوله: { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }.
والنوع الثانى من السؤال: السؤال عن شىء نزل به القرآن لكن السامع لم يفهمه كما ينبغى فها هنا السؤال واجب، وهو المراد بقوله: { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ }.
والفائدة فى ذكر هذا القسم، أنه لما منع فى الجملة الأولى من السؤال، أو هم أن جميع أنواع السؤال ممنوع فيه، فذكر ذلك تمييزا لهذا القسم عن ذلك القسم.
فإن قيل: إن قوله { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا } هذا الضمير عائد على الأشياء المذكورة فى قوله { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } فكيف يعقل فى { أشياء } بأعيانها أن يكون السؤال عنها ممنوعا وجائزاً معا؟
قلنا: الجواب عنه من وجهين:
الأول: جائز أن يكون السؤال عنها ممنوعاً قبل نزول القرآن بها ومأمورا به بعد نزول القرآن بها. والثانى: أنهما وإن كانا نوعين مختلفين، إلا أنهما فى حكم شىء واحد، فلهذا حسن اتحاد الضمير، وإن كانا فى الحقيقة نوعين مختلفين".
وقال القرطبى: قوله - تعالى -: { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ } فيه غموض، وذلك أن فى ذلك الآية النهى عن السؤال، ثم قال: { وَإِن تَسْأَلُواْ }.. إلخ. فأباحه لهم.
فقيل: المعنى وإن تسألوا عن غيرها فيما مست الحاجة إليه، فحذف المضاف ولا يصح حمله على غير الحذف.
قال الجرجانى: الكناية فى "عنها" ترجع إلى أشياء أخر، كقوله تعالى:
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } يعنى آدم، ثم قال { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً } أى: ابن آدم، لأن آدم لم يجعل نطفة فى قرار مكين، لكن لما ذكر الإنسان وهو آدم دل على إنسان مثله، وعرف ذلك بقرينة الحال.
فالمعنى: وإن تسألوا عن أشياء - أخر - حين ينزل القرآن من تحليل أو تحريم أو حكم، أو مست حاجتكم إلى التفسير، فإذا سألتم فحينئذ تبدلكم فقد اباح - سبحانه - هذا النوع من السؤال".
والضمير فى قوله { عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا } يعود إلى أشياء، والجملة فى محل جر صفه أخرى لأشياء.
أى: أن هذه الأشياء التى نهيتم عن السؤال عنها هى مما عفا الله عنه - رحمة منه وفضلا- حيث لم يكلفكم بها. ولم يفضحكم ببيانها.
ويجوز أن يعود الضمير إلى الأسئلة المدلول عليها بقوله { لاَ تَسْأَلُواْ } فتكون الجملة مستأنفة، ويكون المعنى: عفا الله عن أسئلتكم السالفة التى سألتموها قبل النهى، وتجاوز - سبحانه - عن معاقبتكم عليها رحمة منه وكرما؛ فمن الواجب عليكم بعد ذلك ألا تعودوا إلى مثلها أبداً.
قال صاحب المنار: ولا مانع عندنا يمنعنا من إرادة المعنيين معا. فإن كل ما تدل عليه عبارات القرآن من المعانى الحقيقية والمجازية والكناية يجوز عندنا أن يكون مرادا منها مجتمعة تلك المعانى أو منفردة ما لم يمنع مانع من ذلك كأن تكون تلك المعانى مما لا يمكن اجتماعها شرعاً أو عقلا، فحينئذ لا يصح أن تكون كلها مرادة بل يرجح بعضها على بعض بطرق الترجيح المعروفة من لفظية ومعنوية.
وقوله { وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } اعتراض تذييلى مقرر لعفوه - سبحانه - أى: عفا الله عن كل ذلك، وهو - سبحانه - واسع المغفرة والحلم والصفح ولذا لم يكلفكم بما يشق عليكم، ولم يؤاخذكم بها فرط منكم من أقوال وأعمال قبل النهى عنها.
ثم بين - سبحانه - بعض مظاهر العبر والعظات والحكم من وراء نهيهم عن الأسئلة التى لا خير يرجى من ورائها فقال: { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }.
والضمير فى قوله: { قَدْ سَأَلَهَا } يعود إلى الأسئلة المنهى عنها فى قوله - تعالى - { لاَ تَسْأَلُواْ }.
أى: قد سأل قوم من قبلكم - أيها المؤمنون - أمثال هذه الأسئلة التى لا خير يرجى من ورائها، ثم أصبحوا بعد إظهار الإِجابة عليها كافرين بها، لأنهم استقلوا الإِجابة عما سألوا عنه، وتركوا العمل بما تطلعوا إلى معرفته ويجوز أن يكون الضمير عائداً إلى أشياء فى قوله { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } على تقدير السؤال عن حكمها أو عن سببها أو عن أصلها، أو عن غير ذلك مما لا فائدة من السؤال عنه.
إلى هذين المعنين أشار الآلوسى بقوله: { قَدْ سَأَلَهَا } أى: المسألة، فالضمير فى موقع المصدر لا المفعول به. والمراد: سأل مثلها فى كونها محظورة ومستتبعة للوبال { قوم }. وعدم التصريح بالمثل للمبالغة فى التحذير.
وجوز أن يكون الضمير للأشياء على تقدير المضاف أيضاً، فالضمير فى موقع المفعول به، وذلك من باب الحذف والإِيصال. والمراد: سأل عنها. واختلف فى تعيين القوم: فعن ابن عباس هم قوم عيسى: سألوه إنزال المائدة ثم كفروا بها وقيل: هم قوم صالح - عليه السلام - سألوه الناقة ثم عقروها وكفروا بها، وقيل: هم بنو إسرائيل كانوا يسألون أنبياءهم عن أشياء فإذا أخبروهم كذبوهم":
والذى نراه أن لفظ { قوم } يشمل هؤلاء الأقوام الذين ذكرهم الآلوسى كما يشمل غيرهم ممن سألوا عن أشياء لا خير من السؤال عنها فلما أجيبوا عما سألوا عنه لم يعملوا بما أخبروا به بل كفروا به وهجروه وأنكروه.
ونكر - سبحانه - لفظ { قوم } لأنه ليس الغرض تعيين ذواتهم، بل الغرض النهى عن التشبه بهم مهما كانت أجناسهم أو أزمانهم.
وجاء العطف فى الآية "بثم" المفيدة للتراخى، للدلاله على التباعد المعنوى بين اللجاجة فى السؤال وبين الجحود والكفر بعد ذلك؛ فكأنهم كانوا يريدون حكما يناسب أهواءهم فلما جاءهم الحكم الذى لا يهوونه كفروا به.
وقوله { ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ } يؤذن بأنهم قبل السؤال عن تلك الأشياء أو قبل الخوض فى تلك الأسئلة لم يكونوا كافرين، ولكنهم أصبحوا بسبب الخوض فيها والتفتيش عنها كافرين لأنهم لم يمتثلوا ما أجيبوا به، وإنما نبذوه وراء ظهورهم.
وبذلك ترى أن الآيتين الكريمتين تنهيان المؤمنين فى كل زمان ومكان عن الخوض فى الأسئلة عن أشياء يسوءهم الكشف عنها، وضربتا لهم الأمثال بحال الذين من قبلهم ممن كانوا يشددون على أنفسهم بالأسئلة عن التكاليف والأحكام، فلما كتبها الله عليهم كفروا بها ولم يؤدوها، ولو سكتوا عن هذه الأسئلة التى لا فائدة من ورائها لكان خيرا لهم وأقوم.
هذا، وقد ساق الشيخ القاسمى -رحمه الله - عقب تفسيره لهاتين الآيتين أقوالا متعددة للعلماء فيما يؤخذ منهما من آداب وأحكام، فقال - ما ملخصه - :
قال ابن كثير: ظاهر الآية النهى عن السؤال عن الأشياء التى إذا علم بها الشخص ساءته فالأولى الإِعراض عنها:
فقد روى الإِمام أحمد ومسلم والنسائى عن أبى هريرة: أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال:
"ذرونى ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم. وإذا نهيتكم عن شىء فدعوه" .
وروى الدارقطنى وأبو نعيم عن أبى ثعلبة الخشنى: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
"إن الله - تعالى - فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها. وحرم أشياء فلا تقربوها. وترك أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها" .
ثم قال الشيخ القاسمى: ثم رأيت فى "موافقات" الإِمام الشاطبى فى هذا الموضوع - مبحثا جليلا قال فيه.
الإِكثار من الأسئلة مذموم. والدليل عليه النقل المستفيض من الكتاب والسنة وكلام السلف الصالح. وهذه مواضع يكره السؤال فيها:
1 - السؤال عما لا ينفع فى الدين، كسؤال عبد الله بن حذافة: من أبى يا رسول الله؟ فأجابه أبوك حذافة.
2 - أن يسأل عن شىء بيه القرآن، كما سأل الرجل عن الحج: أكل عام يا رسول الله؟ مع أن قوله - تعالى
{ وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } قاض بظاهره أنه للأبد لإطلاقه.
3 - السؤال من غير احتياج إليه فى الوقت، وكأن هذا - والله أعلم - خاص بما لم ينزل فيه حكم، وعليه يدل قوله: "ذرونى ما تركتكم" وقوله: "وسكت عن أشياء رحمة بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها".
4 - أن يسأل عن صعاب المسائل وشرارها، كما جاء فى النهى عن الأغلوطات.
5 - أن يسأل عن علة الحكم وهو من قبيل التعبدات، أو يكون السائل ممن لا يليق به ذلك السؤال - كما فى حديث قضاء الصوم دون الصلاة.
- فقد أخرج مسلم فى صحيحه عن معاذة قالت: سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟
قلت: لست بحرورية، ولكنى أسأل. قالت عائشة: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
6 - أن يبلغ بالسؤال إلى حد التكلف والتعمق، وعلى ذلك يدل ما أخرجه مالك فى الموطأ عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن عمر بن الخطاب خرج فى ركب، فيهم عمرو بن العاص. حتى وردوا حوضاً. فقال عمرو بن العاص: يا صاحب الحوض!! هل ترد حوضك السباع؟ فقال عمر بن الخطاب: يا صاحب الحوض! لا تخبرنا. فإنا نرد على السباع وترد علينا.
7 - السؤال عن المتشابهات، وعلى ذلك يدل قوله - تعالى -
{ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } ) .. الآية.
وعن عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه عرضاً للخصومات أسرع التنقل.
ومن ذلك سؤال رجل مالكا على الاستواء؛ فقد جاء رجل إلى مالك فقال: يا أبا عبد الله "الرحمن على العرش استوى" كيف استوى؟
قال راوى الحديث: فما رأيت مالكا وجد - أى غضب - فى شىء كموجدته من مقالته.
وعلاه الرحضاء - أى العرق - وأطرق القوم. فقال مالك: الاستواء معلوم، والكيف غير معقول. والإِيمان به واجب. والسؤال عنه بدعة وإنى أخاف أن تكون ضالا.
8 - السؤال عما شجر بين السلف الصالح، وقد سئل عمر بن عبد العزيز عن قتال أهل صفين فقال: تلك دماء كف الله عنها يدى، فلا أحب أن ألطخ بها لسانى.
9 - سؤال التعنت والافحام وطلب الغلبة عند الخصام: وقد ذم القرآن هذا اللون من الناس فقال.
{ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } وقال، { بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } وفى الحديث: "أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم" .
هذه جملة من المواضع التى يكره السؤال فيها، ويقاس عليها ما سواها، وليس النهى فيها واحداً، بل فيها ما تشتد كراهيته ومنها ما يخفف، ومنها ما يحرم. ومنها ما يكون محل اجتهاد.
والنهى فى الآية مقيد بما لا تدعو إليه الحاجة من الأسئلة؛ لأن الأمر الذى تدعو إليه الحاجة فى أمور الدين قد أذن الله بالسؤال عنه فقال:
{ فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } وفى الحديث: "قاتلهم الله!! هلا سألوا إذا لم يعلموا، فإنما شفاء الجهل بالسؤال" .
ثم حكى - سبحانه - بعض الأوهام والخرافات التى كان أهل الجاهلية يتمسكون بها، ويعتبرونها من العادات الدينية الراسخة فى نفوسهم، مع أنها لا أصل لها، وإنما هم الذين ابتدعوها ونسبوها إلى دين الله بدون دليل أو برهان فقال - تعالى -:
{ مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ... }