ولفظ { ٱلسَّمَآءَ... } منصوب على الاشتغال. أى: وبنينا السماء بنيناها { بِأَييْدٍ } أى: بقوة وقدرة. يقال: آد الرجل يئيد - كباع - إذا اشتد وقوى.
{ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } أى: وإنا لقادرون على توسعتها بتلك الصورة العجيبة من الوسع بمعنى القدرة والطاقة، يقال: أوسع الرجل، أى: صار ذا سعة، والمفعول محذوف، أى: وإنا لموسعون السماء، أو الأرزاق.
فالجملة تصوير بديع لمظاهر قدرة الله، وكمال قوته، وواسع فضله.
{ وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا } أى: وفرشنا الأرض بقدرتنا - أيضا -، بأن مهدناها وبسطناها وجعلناها صالحة لمنفعتكم وراحتكم.
{ فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ } نحن، يقال: مهدت الفراش، إذا بسطته ووطأته وحسنته.
وفى هاتين الآيتين ما فيهما من الدلالة على قدرة الله - تعالى - ورحمته بعباده، حيث أوجد هذه السماء الواسعة التى تعتبر الأرض بما فيها كحلقة فى فلاة بالنسبة لها، فهى تحوى مئات الملايين من النجوم المتناثرة فى أرجائها.. وأوجد - سبحانه - الأرض لتكون موطنا للإِنسان، ومنزلا لراحته.
ثم قال - تعالى -: { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } أى: نوعين متقابلين كالذكر والأنثى. والليل والنهار، والسماء والأرض، والغنى والفقر، والهدى والضلال.
{ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أى فعلنا ذلك لعلكم تعتبرون وتتعظون وتتذكرون ما يجب عليكم نحونا من الشكر والطاعة وإخلاص العبادة لنا وحدنا.
والفاء فى قوله : { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ.. } للتفريع على قوله - تعالى - { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }، أى: ما دام الأمر كما ذكرت لكم من وجود التذكر والاعتبار، ففروا إلى الله من معصيته إلى طاعته، ومن كفره إلى شكره، ومن السيئات إلى الحسنات.
قال الإِمام الرازى ما ملخصه: وفى هذا التعبير لطائف؛ لأنه ينبىء عن سرعة الإِهلاك، كأنه يقول: الاهلاك والعذاب أسرع وأقرب، من أن يحتمل الحال الإِبطاء فى الرجوع. فافزعوا سريعا إلى الله - تعالى - وفروا إلى طاعته، فإنه لا مهرب منه.
وقوله: { إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } تعليل للأمر بالفرار، أى: أسرعوا إلى طاعة الله - تعالى - إنى لكم من عقابه المعد لمن يصر على معصيته نذير بَيّن الإِنذار.
ثم أكد - سبحانه - هذا الإِنذار، ونهى عن التقاعس فقال: { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } أى: واحذروا أن تجعلوا مع الله - تعالى - إلها آخر، فى العبادة أو الطاعة { إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ } - سبحانه - { نَذِيرٌ مُّبِينٌ }.
فالآية الأولى كان التعليل فيها للأمر بالفرار إلى الله - تعالى - والثانية كان التعليل فيها للنهى عن الإِشراك به - سبحانه -.
وبذلك ترى أن هذه الآيات الكريمة، قد بينت جانبا من الدلائل على قدرة الله - تعالى - وأمرت الناس بإخلاص العبادة لله، ونهت عن الإِشراك به.
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة، ببيان مواقف الأقوام من رسلهم، وببيان الوظيفة التى أوجد الله - تعالى - الناس من أجلها فقال: { كَذَلِكَ مَآ.. }.