والفاء فى قوله - سبحانه -: { فَذَرْهُمْ... } واقعة فى جواب شرط مقدر. أى: إذا كان حال هؤلاء المشركين كما ذكرنا لك - أيها الرسول الكريم - فاتركهم فى طغيانهم يعمهون..
{ حَتَّىٰ يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } أى: فدعهم يخوضوا ويلعبوا حتى يأتيهم اليوم الذى فيه يموتون ويهلكون.
قال القرطبى: قوله { يُصْعَقُونَ } بفتح الياء قراءة العامة. وقرأ ابن عامر وعاصم بضمها. قال الفراء: هما لغتان: صَعِق وصُعِقَ مثل سَعِد وسُعِد. قال قتادة: يوم يموتون. وقيل: هو يوم بدر، وقيل: يوم النفخة الأولى. وقيل: يوم القيامة يأتيهم فيه من العذاب ما يزيل عقولهم....
وقوله: { يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً... } بدل من قوله: { يَوْمَهُمُ }. أى: اتركهم - أيها الرسول الكريم - ولا تكترث بهم. وامض فى دعوتك إلى الحق، فعما قريب سيأتيهم اليوم الذى لن ينفعهم فيه مكرهم السيِّىء، وكيدهم القبيح..
{ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } فيه من عقابنا من أى جهة من الجهات، أو من أى شخص من الأشخاص.
{ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } وهم هؤلاء الكافرون { عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ } أى: عذابا آخر دون ذلك العذاب الذى سينزل بهم عند موتهم وفى حياتهم..
{ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } لا يعلمون ذلك، لجهلهم بما سينتظرهم من عقاب.
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة، بتلك التسلية الرقيقة لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال: { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا.. }.
أى: واصبر - أيها الرسول الكريم - { لِحُكْمِ رَبِّكَ } إلى أن ننزل بهم عقابنا فى الوقت الذى نشاؤه ونختاره { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } أى: فإنك بمرأى منا وتحت رعايتنا وحمايتنا وحفظنا..
{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } أى: وأكثر من تسبيح ربك وتنزيهه عن كل مالا يليق به حين تقوم من منامك، أو من مجلسك، أو حين تقوم للصلاة..
{ وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } أى: ومن الليل فأكثر من تسبيح ربك { وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ } أى: وأكثر من تسبيحه - تعالى - وقت إدبار النجوم وغروبها، وذلك فى أواخر الليل.
وبذلك ترى أن الله - تعالى - قد أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالإِكثار من التسبيح له - عز وجل - فى كل الأوقات، لأن هذا التسبيح يجلو عن النفس همومها وأحزانها..
وبعد: فهذا تفسير لسورة "الطور" نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصا لوجهه، ونافعا لعباده..
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.