الوسيط في تفسير القرآن الكريم
المراد بعاد، تلك القبيلة التى ينتهى نسبها إلى جدهم عاد، وكانت مساكنهم بالأحقاف فى جنوب الجزيرة العربية. وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله - تعالى - إليهم نبيهم هودا - عليه السلام - لكى يأمرهم بعبادة الله - تعالى - وحده، وينهاهم عن عبادة غيره..
وقد جاء الحديث عنهم بصورة أكثر تفصيلا، فى سور: الأعراف، وهود، والشعراء، والأحقاف... ولم تعطف قصتهم هنا على قصة نوح التى قبلها، للإِشعار بأنها قصة مستقلة جديرة بأن يعتبر بها المعتبرون، ويتعظ بها المتعظون..
وحذف المفعول فى قوله: {كَذَّبَتْ عَادٌ} للعلم به وهو نبيهم هود - عليه السلام - أى: كذبت قبيلة عاد نبيها هودا - عليه السلام -.
والاستفهام فى قوله - سبحانه -: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} للتهويل، ولتشويق السامعين إلى معرفة العذاب الشديد الذى حل بهم. أى: كذبت قبيلة عاد نبيها، فهل علمتم ما حل بها من دمار وهلاك؟ إن كنتم لم تعلموا ذلك فهاكم خبره..
{إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً...} أى: إنا أرسلنا عليهم ريحا شديدة البرودة والقوة، ذات صوت هائل.
{فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ} أى: فى يوم مشئوم عليهم، وشؤمه دائم ومستمر لم ينقطع عنهم حتى دمرهم.
قال ابن كثير: قوله: {مُّسْتَمِرٍّ} أى: مستمر عليهم نحسه ودماره، لأنه يوم اتصل فيهم عذابهم الدنيوى بالأخروى...
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -: { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } وإضافة "يوم" إلى "نحس" من إضافة الزمان إلى ما يقع فيه، كقولهم: يوم فتح خيبر..
والمراد أنه يوم منحوس ومشئوم بالنسبة لهؤلاء المهلكين، وليس المراد أنه يوم منحوس بذاته، لأن الأيام يداولها الله - تعالى - بين الناس، بمقتضى إرادته وحكمته.
وقوله: {تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} بيان لقوة هذه الريح وشدتها..
والنزع: الإِزالة للشىء بعنف، حتى يزول عن آخره، وينفصل عما كان متصلا به.
والمراد بالناس: هؤلاء المهلكين من قوم هود - عليه السلام -.
والأعجاز: جمع عجز، وهو مؤخر الشىء وأسفله. وأعجاز النخل: أصولها التى تقوم عليها. والمراد بها هنا: النخل بتمامه ما عدا الفروع.
وقوله: {مُّنقَعِرٍ} اسم فاعل انقعر، مطاوع قَعَره أى: بلغ قعره بالحفر، يقال: قعر فلان البئر إذا بلغ قعرها فى الحفر، وهو صفة للنخل. أى: أن الريح لشدتها وقوتها، كانت تقتلعهم من أماكنهم، وتلقى بهم بعيدا وهم صرعى، فكأنهم وهم ممددون على الأرض هلكى، أعجاز نخل قد انقلع عن أصوله، وسقط على الأرض..
قال ابن كثير: وذلك أن الريح كانت تأتى أحدهم، فترفعه حتى تغيبه عن الأبصار. ثم تنكسه على أم رأسه، فيسقط على الأرض، فتنخلع رأسه فيبقى جثة بلا رأس، ولهذا قال: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ}.
فالآية الكريمة فيها ما فيها من التفظيع لما أصابهم من هلاك واستئصال.
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -: { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } ثم ختم - سبحانه - قصة هؤلاء الطغاة، بمثل ما ختم به قصة قوم نوح، من تذكير للناس بما أصاب هؤلاء الظالمين من عذاب أليم، ومن دعوتهم إلى الاعتبار بقصص القرآن، وزواجره ووعده ووعيده.. فقال - تعالى -: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}.
ثم جاءت بعد قصة قوم هود، قصة قوم صالح - عليهما السلام - فقال - سبحانه -: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ.}.