التفاسير

< >
عرض

كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
١٨
إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ
١٩
تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ
٢٠
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
٢١
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
٢٢
-القمر

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

المراد بعاد، تلك القبيلة التى ينتهى نسبها إلى جدهم عاد، وكانت مساكنهم بالأحقاف فى جنوب الجزيرة العربية. وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله - تعالى - إليهم نبيهم هودا - عليه السلام - لكى يأمرهم بعبادة الله - تعالى - وحده، وينهاهم عن عبادة غيره..
وقد جاء الحديث عنهم بصورة أكثر تفصيلا، فى سور: الأعراف، وهود، والشعراء، والأحقاف... ولم تعطف قصتهم هنا على قصة نوح التى قبلها، للإِشعار بأنها قصة مستقلة جديرة بأن يعتبر بها المعتبرون، ويتعظ بها المتعظون..
وحذف المفعول فى قوله: { كَذَّبَتْ عَادٌ } للعلم به وهو نبيهم هود - عليه السلام - أى: كذبت قبيلة عاد نبيها هودا - عليه السلام -.
والاستفهام فى قوله - سبحانه -: { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } للتهويل، ولتشويق السامعين إلى معرفة العذاب الشديد الذى حل بهم. أى: كذبت قبيلة عاد نبيها، فهل علمتم ما حل بها من دمار وهلاك؟ إن كنتم لم تعلموا ذلك فهاكم خبره..
{ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً... } أى: إنا أرسلنا عليهم ريحا شديدة البرودة والقوة، ذات صوت هائل.
{ فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ } أى: فى يوم مشئوم عليهم، وشؤمه دائم ومستمر لم ينقطع عنهم حتى دمرهم.
قال ابن كثير: قوله: { مُّسْتَمِرٍّ } أى: مستمر عليهم نحسه ودماره، لأنه يوم اتصل فيهم عذابهم الدنيوى بالأخروى...
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -:
{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } وإضافة "يوم" إلى "نحس" من إضافة الزمان إلى ما يقع فيه، كقولهم: يوم فتح خيبر..
والمراد أنه يوم منحوس ومشئوم بالنسبة لهؤلاء المهلكين، وليس المراد أنه يوم منحوس بذاته، لأن الأيام يداولها الله - تعالى - بين الناس، بمقتضى إرادته وحكمته.
وقوله: { تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } بيان لقوة هذه الريح وشدتها..
والنزع: الإِزالة للشىء بعنف، حتى يزول عن آخره، وينفصل عما كان متصلا به.
والمراد بالناس: هؤلاء المهلكين من قوم هود - عليه السلام -.
والأعجاز: جمع عجز، وهو مؤخر الشىء وأسفله. وأعجاز النخل: أصولها التى تقوم عليها. والمراد بها هنا: النخل بتمامه ما عدا الفروع.
وقوله: { مُّنقَعِرٍ } اسم فاعل انقعر، مطاوع قَعَره أى: بلغ قعره بالحفر، يقال: قعر فلان البئر إذا بلغ قعرها فى الحفر، وهو صفة للنخل. أى: أن الريح لشدتها وقوتها، كانت تقتلعهم من أماكنهم، وتلقى بهم بعيدا وهم صرعى، فكأنهم وهم ممددون على الأرض هلكى، أعجاز نخل قد انقلع عن أصوله، وسقط على الأرض..
قال ابن كثير: وذلك أن الريح كانت تأتى أحدهم، فترفعه حتى تغيبه عن الأبصار. ثم تنكسه على أم رأسه، فيسقط على الأرض، فتنخلع رأسه فيبقى جثة بلا رأس، ولهذا قال: { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ }.
فالآية الكريمة فيها ما فيها من التفظيع لما أصابهم من هلاك واستئصال.
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -:
{ وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } ثم ختم - سبحانه - قصة هؤلاء الطغاة، بمثل ما ختم به قصة قوم نوح، من تذكير للناس بما أصاب هؤلاء الظالمين من عذاب أليم، ومن دعوتهم إلى الاعتبار بقصص القرآن، وزواجره ووعده ووعيده.. فقال - تعالى -: { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }.
ثم جاءت بعد قصة قوم هود، قصة قوم صالح - عليهما السلام - فقال - سبحانه -: { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ. }.