التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ
٢٢
هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٢٣
هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٢٤
-الحشر

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

قال الجمل: لما وصف - تعالى - القرآن بالعظم، ومعلوم أن عظم الصفة تابع لعظم الموصوف، أتبع ذلك بوصف عظمته - تعالى - فقال: { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أى: هو الله الذى وجوده من ذاته، فلا عدم له بوجه من الوجوه، فلا شىء يستحق الوصف بهذا غيره، لأنه هو الموجود أزلا وأبدا، فهو حاضر فى كل ضمير، غائب بعظمته عن كل حس، فلذلك تصدع الجبل من خشيته.
أى: هو المعبود الذى لا تنبغى العبادة والألوهية إلا له، الذى لا إله إلا هو، فإنه لا مجانس له، ولا يليق ولا يصح، ولا يتصور، أن يكافئه أو يدانيه شىء...
وقوله: { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } أى: هو - سبحانه - العليم علما تاما بما غاب عن أذهان الخلائق وعقولهم، وبما هو حاضر ومشاهد أمام أعينهم.
فالمراد بالغيب: كل ما غاب عن إحساس الناس وعن مداركهم..
والمراد بالشهادة: ما يشاهدونه بعيونهم، ويدركونه بعقولهم..
والتعريف فيهما للاستغراق الحقيقى، لأن الله - تعالى - لا يخفى عليه شىء فى هذا الكون.
وقوله - تعالى -: { هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } أى: هو العظيم الرحمة الدائمها، لأن لفظ { ٱلرَّحْمَـٰنُ } صيغة مبالغة لكثرة الشىء وعظمته، ولفظ { ٱلرَّحِيمُ } صيغة تدل على الدوام والاستمرار.
وقوله - سبحانه -: { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ... } تأكيد لأمر التوحيد لأن مقام التعظيم يقتضى ذلك.
ثم عدد - سبحانه - بعد ذلك بعض أسمائه الحسنى، وصفاته الجليلة فقال: { ٱلْمَلِكُ } أى: المالك لجميع الأشياء، والحاكم على جميع المخلوقات والمتصرف فيها تصرف المالك فى ملكه.
{ ٱلْقُدُّوسُ } أى: المنزه عن كل نقص، البالغ أقصى ما يتصوره العقل فى الطهارة وفى البعد عن النقائص والعيوب، وعن كل مالا يليق.
من القدس بمعنى الطهارة، والقدَس - بفتح الدال - اسم للإِناء الذى يتطهر به ومنه القادوس.
وجاء لفظ القدوس بعد لفظ الملك، للإِشعار بأنه - تعالى - وإن كان مالكا لكل شىء، إلا أنه لا يتصرف فيما يملكه تصرف الملوك المغرورين الظالمين، وإنما يتصرف فى خلقه تصرفا منزها عن كل ظلم ونقص وعيب..
{ ٱلسَّلاَمُ } أى: ذو السلامة من كل ما لا يليق، أو ذو السلام على عباده فى الجنة، كما قال - تعالى -
{ سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } { ٱلْمُؤْمِنُ } أى: الذى وهب لعباده نعمة الأمان والاطمئنان، والذى صدق رسله بأن أظهر على أيديهم المعجزات التى تدل على أنهم صادقون فيما يبلغونه عنه.
{ ٱلْمُهَيْمِنُ } أى: الرقيب على عباده، الحافظ لأقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، من الأمن، ثم قلبت همزته هاء، وقيل أصله هيمن بمعنى رقب، فهاؤه أصلية.
{ ٱلْعَزِيزُ } أى: الذى يغلب غيره، ولا يتجاسر على مقامه أحد..
{ ٱلْجَبَّارُ } أى: العظيم القدرة، القاهر فوق عباده.
قال القرطبى: قال ابن عباس: الجبال: هو العظيم. وجبروت الله عظمته. وهو على هذا القول صفة ذات، من قولهم: نخلة جبارة..
وقيل هو من الجبر وهو الإِصلاح، يقال: جبرت العظم فجبر، إذا أصلحته بعد الكسر، فهو فعال من جبر، إذا أصلح الكسير وأغنى الفقير...
{ ٱلْمُتَكَبِّرُ } أى: الشديد الكبرياء، والعظمة والجلالة، والتنزه عما لا يليق بذاته. وهاتان الصفتان - الجبار المتكبر - صفتا مدح بالنسبة لله - تعالى -، وصفتا ذم بالنسبة لغيره - تعالى -، وفى الحديث الصحيح عن أبى هريرة
"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال فيما يرويه عن ربه: الكبرياء ردائى، والعظمة إزارى، فمن نازعنى فى واحد منهما قصمته. ثم قذفته فى النار" .
{ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أى: تنزه - سبحانه - وتقدس عن إشراك المشركين. وكفر الكافرين.
{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ } لكل شىء الموجد لهذا الكون على مقتضى حكمته..
{ ٱلْبَارِىءُ } أى: المبدع المخترع للأشياء. والمبرز لها من العدم إلى الوجود.
{ ٱلْمُصَوِّرُ } أى: المصور للأشياء والمركب لها، على هيئات مختلفة، وأنواع شتى من التصوير، وهو التخطيط والتشكيل..
{ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } والحسنى تأنيث الأحسن. أى: له الأسماء التى هى أحسن الأسماء لدلالتها على أفضل المعانى. من تحميد. وتقديس. وقدرة. وسمع.. وغير ذلك من الأسماء الكريمة، والصفات الجليلة.
{ يُسَبِّحُ لَهُ } - تعالى - وينزهه عن كل سوء { مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } من مخلوقات..
{ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أى: وهو - عز وجل - الغالب لغيره. الحكيم فى كل تصرفاته.
قال الإِمام ابن كثير: وفى الصحيحين عن أبى هريرة
"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن لله تسعة وتسعين إسما - مائة إلا واحدا- من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر.." .
ثم ذكر -رحمه الله - هذه الأسماء نقلا عن سنن الترمذى فقال: هو الله الذى لا إله إلا هو، الرحمن الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارىء، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلى، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحيكم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوى، المتين، الولى، الحميد، المحصى، المبدى، المعيد، المحيى، المميت، الحى، القيوم، الواحد، الماجد، الواجد، الصمد، القادر، المقتدر، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالى، المتعالى، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرءوف، مالك الملك، ذو الجلال والإِكرام، المقسط، الجامع، الغنى، المغنى، المانع، الضار، النافع، النور، الهادى، البديع، الباقى، الوارث، الرشيد، الصبور.
ثم قال الإِمام ابن كثير: وسياق ابن ماجه - لهذا الحديث - بزيادة ونقصان، وتقديم وتأخير.. والذى عول عليه جماعة من الحفاظ، أن سرد الأسماء فى هذا الحديث مدرج فيه - أى: ذكر الراوى فى الحديث كلاما لنفسه أو لغيره من غير فصل بين ألفاظ الحديث وألفاظ الراوى - وأن أهل العلم جمعوا هذه الأسماء من القرآن الكريم.
ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى ليست منحصرة فى التسعة والتسعين، بدليل ما رواه الإِمام أحمد عن ابن مسعود، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
"ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إنى عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتى بيدك، ماضٍ فىّ حكمك، عدل فى قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أعلمته أحداً من خلقك، أو أنزلته فى كتابك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدرى، وجلاء حزنى، وذهاب همى، إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرجا.
فقيل يا رسول الله، أفلا نتعلمها؟ فقال: بلى، ينبغى لكل من سمعها أن يتعلمها"
وذكر أبو بكر بن العربى أن بعضهم جمع من الكتاب والسنة ألف اسم لله - تعالى -.
وبعد: فهذا تفسير لسورة "الحشر" نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصا لوجهه نافعا لعباده.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.