التفاسير

< >
عرض

هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ
١٥٨
إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ
١٥٩
مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
١٦٠
-الأنعام

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

أى: ما ينتظر مشركو مكة وغيرهم من المكذبين بعد إعراضهم عن آيات الله إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم من أجسادهم.
والجملة الكريمة مستأنفة لبيان أنهم لا يتأتى منهم الإِيمان بإنزال ما ذكر من البينات والهدى.
قال البيضاوى: وهم ما كانوا منتظرين لذلك، ولكن لما كان يلحقهم لحوق المنتظر شبهوا بالمنتظرين.
وقوله: { أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ } أى: إتياناً يناسب ذاته الكريمة بدون كيف أو تشبيه للقضاء بين الخلق يوم القيامة، وقيل المراد بإتيان الرب، إتيان ما وعد به من النصر للمؤمنين والعذاب للكافرين.
وقوله: { أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ } أى: بعض علامات قيام الساعة، وذلك قبل يوم القيامة، وفسر فى الحديث بطلوع الشمس من مغربها.
فقد روى البخارى عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها. فإذا رآها الناس آمن من عليها. فذاك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل" .
وفى رواية لمسلم والترمذى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض" .
ثم بين - سبحانه - أنه عند مجىء علامات الساعة لا ينفع الإِيمان فقال:
{ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَانِهَا خَيْراً }.
أى: عند مجىء بعض أشراط الساعة، يذهب التكليف، فلا ينفع الإِيمان حينئذ نفساً كافرة لم تكن آمنت قبل ظهورها، ولا ينفع العمل الصالح نفساً مؤمنة تعمله عند ظهور هذه الأشراط، لأن العمل أو الإِيمان عند ظهور هذه العلامات لا قيمة له لبطلان التطليف فى هذا الوقت.
قال الطبرى: معنى الآية لا ينفع كافراً لم يكن آمن قبل الطلوع - أى طلوع الشمس من مغربها - إيمان بعد الطلوع. ولا ينفع مؤمناً لم يكن عمل صالحاً قبل الطلوع، بعد الطلوع. لأن حكم الإِيمان والعمل الصالح حينئذ. حكم من آمن أو عمل عند الغرغرة، وذلك لا يفيد شيئاً. كما قال - تعالى -
{ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } وكما ثبت فى الحديث الصحيح: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" .
وقال ابن كثير: "إذا أنشأ الكافر إيماناً يومئذ لم يقبل منه، فأما من كان مؤمناً قبل ذلك فإن كان مصلحاً فى عمله فهو بخير عظيم، وإن لم يكن مصلحاً فأحدث توبة حينئذ لم تقبل منه توبته، كما دلت عليه الأحاديث، وعليه يحمل قوله - تعالى -: { أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَانِهَا خَيْراً } أى: لا يقبل منها كسب عمل صالح إذا لم يكن عاملا به قبل ذلك".
وقوله: { قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ } تهديد لهم. أى: قل يا محمد لهؤلاء الكافرين: انتظروا ما تنتظرونه من إتيان أحد الأمور ألثلاثة لتروا أى شىء تنتظرون، فإنا منتظرون معكم لنشاهد ما يحل بكم من سوء العاقبة.
ثم بين - سبحانه - أحوال الفرق الضالة بوجه عام فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ }.
أى: إن الذين فرقوا دينهم بأن اختلفوا فيه مع وحدته فى نفسه فجعلوه أهواء متفرقة، ومذاهب متباينة: { وَكَانُواْ شِيَعاً } أى فرقاً ونحلا تتبع كل فرقة إماماً لها على حسب أهوائها ومتعها ومنافعها بدون نظر إلى الحق.
وقوله: { قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ } تهديد لهم. أى: قل يا محمد لهؤلاء الكافرين: انتظروا ما تنتظرونه من إتيان أحد الأمور الثلاثة لتروا أى شىء تنتظرون، فإنا منتظرون معكم لنشاهد ما يحل بكم من سوء العاقبة.
ثم بين - سبحانه - أحوال الفرق الضالة بوجه عام فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ }.
أى: إن الذين فرقوا دينهم بأن اختلفوا فيه مع وحدته فى نفسه فجعلوه أهواء متفرقة، ومذاهب متباينة: { وَكَانُواْ شِيَعاً } أى فرقاً ونحلا تتبع كل فرقة إماماً لها على حسب أهوائها ومتعها ومنافعها بدون نظر إلى الحق.
وقوله: { لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } أى: أنت برىء منهم محمى الجناب عن مذاهبهم الباطلة، وفرقهم الضالة. أو لست من هدايتهم إلى التوحيد فى شىء إذ هم قد انطمست قلوبهم فأصبحوا لا يستجيبون لمن يدعوهم إلى الهدى.
وقوله: { إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ } تعليل للنفى المذكور قبله أى: هو يتولى وحده أمرهم جميعاً، ويدبره حسب ما تقتضيه حكمته، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون.
وقوله: { ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } أى: ثم يخبرهم يوم القيامة بما كانوا يفعلونه فى الدنيا من آثام وسيئات، ويعاقبهم على ذلك بما يستحقونه من عقوبات.
والآية الكريمة عامة فى كل من فارق تعاليم الإِسلام سواء أكان مشركاً أو كتابياً، ويندرج فيها أصحاب الفرق الباطلة والمذاهب الفاسدة فى كل زمان ومكان، كالقاديانية، والباطنية، والبهائية، وغير ذلك من أصحاب الأهواء والبدع والضلالات.
قال ابن كثير: "والظاهر أن الآية عامة فى كل من فارق دين الله وكان مخالفاً له، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق. فمن اختلف فيه { وَكَانُواْ شِيَعاً } أى: فرقا كأهل الأهواء والملل والنحل والضلالات، فإن الله قد برأ رسوله منهم. وهذه الآية كقوله تعالى:
{ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } الآية.
وفى الحديث:
"نحن معاشر الأنبياء أولاد علات. ديننا واحد" فهذا هو الصراط المستقيم، وهو ما جاءت به الرسل من عبادة الله وحده والتمسك بشريعة الرسول المتأخر، وما خالف ذلك فضلالات وجهالات وآراء وأهواء، والرسل برآء منها كما قال - تعالى - { لست منهم فى شىء }.
ثم بين - سبحانه - لطفه فى حكمه، وفضله على عباده، بمناسبة الحديث عن الجزاء فقال: { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا }.
أى: من جاء يوم القيامة بالأعمال الحسنة. فله عشر حسنات أمثالها فى الحسن، فضلا من الله - تعالى - وكرماً.
قال بعضهم: وذلك - ولله المثل الأعلى - كمن أهدى إلى سلطان عنقود عنب يعطيه بما يليق بسلطنته لا قيمة العنقود. والعشر أقل ما وعد من الأصناف، وقد جاء الوعد بسبعين وبسبعمائة وبغير حساب، ولذلك قيل: المراد بذكر العشر بيان الكثرة لا الحصر فى العدد الخاص.
{ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ } أى: بالأعمال السيئة { فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا } أى: فلا يجزى بحكم الوعد إلا بمثلها فى العقوبة واحدة بواحدة { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } بنقص الثواب وزيادة العقاب. فإن ربك لا يظلم أحدا.
وقد ورت أحاديث كثيرة فى معنى الآية منها ما رواه الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"يقول الله - تعالى -: إذا أراد عبدى أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها بمثلها. وإن تركها من أجلى فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة. فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة" .
ثم ختمت السورة الكريمة بخمس آيات جامعة لوجوه الخير، من تأملها تجلى له أنها ختام حكيم يناسب هذه السورة التى هى سورة البلاغ والإِعلان، والمبادىء العليا لدعوة الإِيمان.
أما الآيات الخمس فهى قوله - تعالى -: { قُلْ إِنَّنِي... }.