التفاسير

< >
عرض

إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ
١٧
وَلاَ يَسْتَثْنُونَ
١٨
فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ
١٩
فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ
٢٠
فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ
٢١
أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ
٢٢
فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ
٢٣
أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ
٢٤
وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ
٢٥
فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ
٢٦
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ
٢٧
قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ
٢٨
قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
٢٩
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ
٣٠
قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ
٣١
عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ
٣٢
كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٣٣
-القلم

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه: هذا مثل ضربه الله - تعالى - لكفار قريش، فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة، وأعطاهم من النعم الجسيمة، وهو بعثه محمدا صلى الله عليه وسلم إليهم فقابلوه بالتكذيب والمحاربة..
وقد ذكر بعض السلف: أن أصحاب الجنة هؤلاء كانوا من أهل اليمن كانوا من قرية يقال لها: "ضَرَوان" على ستة أميال من صنعاء.. وكان أبوهم قد ترك لهم هذه الجنة، وكانوا من أهل الكتاب، وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة، فكان ما استغله منها يرد فيها ما يحتاج إليه، ويدخر لعياله قوت سنتهم، ويتصدق بالفاضل.
فلما مات وورثه أولاده، قالوا: لقد كان أبونا أحمق، إذ كان يصرف من هذه الجنة شيئا للفقراء، ولو أنا منعناهم لتوفر ذلك لنا، فلما عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم، فقد أذهب الله ما بأيديهم بالكلية: أذهب رأس المال، والربح.. فلم يبق لهم شئ..
وقوله - سبحانه -: { بَلَوْنَاهُمْ } أى: اختبرناهم وامتحناهم، مأخوذ من البلوى، التى تطلق على الاختبار، والابتلاء قد يكون بالخير وقد يكون بالشر، كما قال - تعالى -:
{ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } .. وكما فى قوله - سبحانه -: { وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } والمراد بالابتلاء هنا: الابتلاء بالشر بعد جحودهم لنعمة الخير.
أى: إنا امتحنا مشركى قريش بالقحط والجوع. حتى أكلوا الجيف، بسبب كفرهم بنعمنا، وتكذيبهم لرسولنا صلى الله عليه وسلم كما ابتلينا من قبلهم أصحاب الجنة، بأن دمرناها تدميرا، بسبب بخلهم وامتناعهم عن أداء حقوق الله منها..
ويبدو أن قصة أصحاب الجنة، كانت معروفة لأهل مكة، ولذا ضرب الله - تعالى - المثل بها. حتى يعتبروا ويتعظوا..
ووجه المشابهة بين حال أهل مكة، وحال أصحاب الجنة.. يتمثل فى أن كلا الطرفين قد منحه الله - تعالى - نعمة عظيمة، ولكنه قابلها بالجحود وعدم الشكر.
و { إذ } فى قوله: { إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِين.. } تعليلية.
والضمير فى { أَقْسَمُواْ } يعود لمعظمهم، لأن الآيات الآتية بعد ذلك، تدل على أن أوسطهم قد نهاهم عما اعتزموه من حرمان المساكين، ومن مخالفة ما يأمرهم شرع الله - تعالى - به..
قال - تعالى - : { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ.. }.
وقوله: { لَيَصْرِمُنَّهَا } من الصرم وهو القطع. يقال: صرم فلان زرعه - من باب ضرب - إذا جَزّه وقطعه، ومنه قولهم: انصرم حبل المودة بين فلان وفلان، إذا انقطع.
وقوله: { مُصْبِحِينَ } أى: داخلين فى وقت الصباح المبكر.
أى: إنا امتحنا أهل مكة بالبأساء والضراء، كما امتحنا أصحاب البستان الذين كانوا قبلهم، لأنهم أقسموا بالأيمان المغلظة، ليقطعن ثمار هذا البستان فى وقت الصباح المبكر.
{ وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } أى: دون أن يجعلوا شيئا - ولو قليلا - من ثمار هذا البستان للمتحاجين، الذين أوجب الله - تعالى - لهم حقوقا فى تلك الثمار.
وقيل معنى { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } ولم يقولوا إن شاء الله، كما قال - تعالى - :
{ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ... }
والجملة الكريمة معطوفة على قوله تعالى: { لَيَصْرِمُنَّهَا }، وهى فى الوقت نفسه مقسم عليه.
أى: أقسموا ليصرمنها فى وقت الصباح المبكر، وأقسموا كذلك على أن لا يعطوا شيئا منها للفقراء والمساكين.
ثم بين - سبحانه - ما ترتب على هذا القسم الذى لم يقصد به الخير، وإنما قصد به الشر فقال: { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ. فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ }.
والطائف: مأخوذ من الطواف، وهو المشى حول الشئ من كل نواحيه ومنه الطواف حول الكعبة. وأكثر ما يستعمل لفظ الطائف فى الشر كما هنا، ومنه قوله - تعالى -:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } وعدى لفظ "طائف" بحرف "على" لتضمينه معنى: تسلط أو نزل. والصريم - كما يقول القرطبى -: الليل المظلم.. أى: احترقت فصارت كالليل الأسود.
وعن ابن عباس: كالرماد الأسود. أو: كالزرع المحصود. فالصريم بمعنى المصروم، أى: المقطوع ما فيه..
أى: أقسم هؤلاء الجاحدون على أن لا يعطوا شيئا من جنتهم للمحتاجين، فكانت نتيجة نيتهم السيئة، وعزمهم على الشر.. أن نزل بهذه الحديقة بلاء أحاط بها فأهلكها، فصارت كالشئ المحترق الذى قطعت ثماره، ولم يبق منه شئ ينفع.
ولم يعين - سبحانه - نوع هذا الطائف، أو كيفية نزوله، لأنه لا يتعلق بذكره غرض، وإنما المقصود ما ترتب عليه من آثار توجب الاعتبار.
وتنكير لفظ { طَآئِفٌ } للتهويل. و { من } فى قوله { مِّن رَّبِّكَ } للابتداء والتقييد بكونه من الرب - عز وجل - لإِفادة أنه بلاء لا قبل لأحد من الخلق بدفعه.
قال القرطبى: فى هذه الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإِنسان، لأنهم عزموا على أن يفعلوا، فعوقبوا قبل فعلهم. ومثله قوله - تعالى -:
{ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } وفى الحديث الصحيح: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول فى النار. قيل: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه" .
ثم يصور - سبحانه - أحاسيسهم وحركاتهم، وقد خرجوا لينفذوا ما عزموا عليه من سوء.. فيقول: { فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ } أى: فنادى بعضهم بعضا فى وقت الصباح المبكر، حتى لا يراهم أحد.
فقالوا فى تناديهم: { أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } أى: قال بعضهم لبعض: هيا بنا لنذهب إلى بستاننا لكى نقطع ما فيه من ثمار فى هذا الوقت المبكر، حتى لا يرانا أحد، إذ الغدو هو الخروج إلى المكان فى غدوة النهار. أى: فى أوله.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: هلا قيل: اغدوا إلى حرثكم، وما معنى "على"؟.
قلت: لما كان الغدو إليه ليصرموه ويقطعوه: كان غدوا عليه، كما تقول: غدا عليهم العدو. ويجوز أن يضمن الغدو معى الإِقبال، كقولهم: يغدى عليه بالجفنة ويراح. أى: فأقبلوا على حرثكم باكرين..
وجواب الشرط فى قوله: { إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } محذوف لدلالة ما قبله عليه. أى: إن كنتم صارمين فاغدوا { فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ } أى: فانطلقوا مسرعين نحو جنتهم وهم يتسارُّون فيما بينهم، إذ التخافت: تفاعل من خفت فلان فى كلامه، إذا نطق به بصوت منخفض لا يكاد يسمع.
وجملة: { أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } مفسرة لما قبلها لأن التخافت فيه معنى القول دون حروفه أى: انطلقوا يتخافتون وهم يقولون فيما بينهم: احذروا أن يدخل جنتكم اليوم وأنتم تقطعون ثمارها أحد من المساكين.
وجملة: { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ } حالية. والحرد: القصد. يقال: فلان حرد فلان - من باب ضرب - أى: قَصَد قَصْدَه.
قال الإِمام الشوكانى: الحرد يكون بمعنى المنع والقصد.. لأن القاصد إلى الشئ حارد. يقال: حرد يحرد إذا قصد.. وقال أبو عبيدة: { عَلَىٰ حَرْدٍ } أى: على منع، من قولهم: حردت الإبل حردا، إذا قلت ألبانها. والحرود من الإِبل: القليلة اللبن.. وقال السدى: { عَلَىٰ حَرْدٍ }: أى: على غضب.. وقال الحسن: على حرد، أى: على حاجة وفاقة. وقيل: { عَلَىٰ حَرْدٍ } أى: على انفراد. يقال: حرد يحرد حردا، إذا تنحى عن قومه، ونزل منفردا عنهم دون أن يخالطهم.
أى: أن أصحاب الجنة ساروا إليها غدوة، على أمر قد قصدوه وبيتوه.. موقنين أنهم قادرون على تنفيذه، لأنهم قد اتخذوا له جميع وسائله، من الكتمان والتبكير والبعد عن أعين المساكين.
أو: ساروا إليها فى الصباح المبكر، وهم ليس معهم أحد من المساكين أو من غيرهم، وهم فى الوقت نفسه يعتبرون أنفسهم قادرين على قطع ثمارها، دون أن يشاركهم أحد فى تلك الثمار.
ثم صور - سبحانه - حالهم تصويرا بديعا عندما شاهدوا جنتهم، وقد صارت كالصريم، فقال: { فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ }
أى: فحين شاهدوا جنتهم - وهلى على تلك الحال العجيبة - قال بعضهم لبعض: إنا الضالون عن طريق جنتنا، تائهون عن الوصول إليها.. لأن هذه الجنة الخاوية على عروشها ليست هى جنتنا التى عهدناها بالأمس القريب، زاخرة بالثمار.
ثم اعترفوا بالحقيقة المرة، بعد أن تأكدوا أن ما أمامهم هى حديقتهم فقالوا: { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } أى: لسنا بضالين عن الطريق إليها، بل الحقيقة أن الله - تعالى - قد حرمنا من ثمارها.. بسبب إصرارنا على حرماننا المساكين من حقوقهم منها.
وهنا تقدم إليهم أوسطهم رأيا، وأعدلهم وأمثلهم تفكيرا.. فقال لهم: { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } والاستفهام للتقرير. و { لَوْلاَ } حرف تحضيض بمعنى هلا. والتسبيح هنا بمعنى: الاستغفار والتوبة، وإعطاء كل ذى حق حقه.
أى: قال لهم - أعقلهم وأصلحهم - بعد أن شاهد ما شاهد من أمر الحديقة. قال لهم: لقد قلت لكم عندما عزمتم على حرمان المساكين حقوقهم منها.. اتقوا الله ولا تفعلوا ذلك، وسيروا على الطريقة التى كان يسير عليها أبوكم، وأعطوا المساكين حقوقهم منها، ولكنكم خالفتمونى ولم تطيعوا أمرى، فكانت نتيجة مخالفتكم لنصحى، ما ترون من خراب الجنة التى أصابنى من خرابها ما أصابكم.
وكعادة كثير من الناس الذين: لا يقدرون النعمة إلا بعد فوات الأوان.. قالوا لأعقلهم وأصلحهم: { سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ }.
أى: قالوا وهم يعترفون بظلمهم وجرمهم.. { سُبْحَانَ رَبِّنَآ } أى: تنزه ربنا ونستغفره عما حدث منا، فإننا كنا ظالمين لأنفسنا حين منعنا حق الله - تعالى - عن عباده.
ثم حكى - سبحانه - ما دار بينهم بعد أن أيقنوا أن حديقتهم قد دمرت فقال: { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ } أى: يلوم بعضهم بعضا، وكل واحد منهم يلقى التبعة على غيره، ويقول له: أنت الذى كنت السبب فيما أصابنا من حرمان..
{ قَالُواْ يٰوَيْلَنَا } أى: يا هلاكنا ويا حسرتنا.. { إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ } أى: إنا كنا متجاوزين لحدودنا، وفاسقين عن أمر ربنا، عندما صممنا على البخل بما أعطانا - سبحانه - من فضله { عَسَىٰ رَبُّنَآ } بفضله وإحسانه { أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ } أى: أن يعطينا ما هو خير منها { إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا } لا إلى غيره { رَاغِبُونَ } أى: راغبون فى عطائه، راجعون إليه بالتوبة والندم..
قال الآلوسى: قال مجاهد: إنهم تابوا فأبدلهم الله - تعالى - خيرا منها. وحكى عن الحسن: التوقف وسئل قتادة عنهم: أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟ فقال للسائل: لقد كلفتنى تعبا..
ثم ختم - سبحانه - قصتهم بقوله: { كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ } أى: مثل الذى بلونا به أصحاب الجنة، من إهلاك جنتهم بسبب جحودهم لنعمنا.. يكون عذابنا لمن خالف أمرنا من كبار مكة وغيرهم.
فقوله: { كَذَلِكَ } خبر مقدم، و { ٱلْعَذَابُ } مبتدأ مؤخر. والمشار إليه هو ما تضمنته القصة من إتلاف تلك الجنة، وإذهاب ثمارها.
وقدم المسند وهو الخبر، على المسند إليه وهو المبتدأ، للاهتمام بإحضار تلك الصورة العجيبة فى ذهن السامع.
وقوله: { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } يدل على أن المراد بالعذاب السابق عذاب الدنيا.
أى: مثل ذلك العذاب الذى أنزلناه بأصحاب الجنة فى الدنيا، يكون عذابنا لمشركى قريش، أما عذاب الآخرة فهو أشد وأبقى وأعظم.. ولو كانوا من أهل العلم والفهم، لعلموا ذلك، ولأخذوا منه حذرهم عن طريق الإِيمان والعمل الصالح. هذا، والمتأمل فى هذه القصة، يراها زاخرة بالمفاجآت، وبتصوير النفس الإِنسانية فى حال غناها وفى حال فقرها، فى حال حصولها على النعمة وفى حال ذهاب هذه النعمة من بين يديها.
كما يراها تحكى لنا سوء عاقبة الجاحدين لنعم الله، إذ أن هذا الجحود يؤدى إلى زوال النعم، ورحم الله القائل: من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها، ومن شكرها فقد قيدها بعقالها.
ثم تبدأ السورة بعد ذلك بيان حسن عاقبة المؤمنين، وفى محاجة المجرمين، وفى تحديهم بالسؤال تلو السؤال: إلزاما لهم بالحجة، وتقريعا لهم على غفلتهم، وتذكيرا لهم بيوم القيامة الذى سيندمون عنده، ولن ينفعهم الندم.
قال - تعالى -:
{ إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ... }.