التفاسير

< >
عرض

يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ
٢٦
-الأعراف

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

السوءة: العورة. والريش: لباس الزينة، استعير من ريش الطائر، لأنه لباسه وزينته. وقال الجوهرى: "الريش والرياش بمعنى كاللبس واللباس، وهو اللباس الفاخر".
والمعنى: يا بنى آدم تذكروا واعتبروا واشكروا الله على ما حباكم من نعم، فإنه - سبحانه - قد هيأ لكم سبيل الحصول على الملبس الذى تسترون به عوراتكم، وتتزينون به فى مناسبات التجمل والتعبد.
والمراد بإنزال ما ذكر أنه خلق لبنى آدم مادة هذا اللباس التى تتكون من القطن والصوف والحرير وما إليها، وألهمهم بما خلق فيهم من غرائز طرق استنباتها وصناعتها بالغزل والنسج والخياطة.
والتعبير بأنزلنا يفيد خصوصية البشر باللباس الذى يستر العورة، وبالرياش التى يتزينون بها، أى أنزلنا عليكم لباسين: لباسا يوارى سوآتكم، ولباسا يزينكم، لأن الزينة غرض صحيح وحبها من طبيعة البشر. قال - تعالى -:
{ وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } قال الجمل: "وقوله - تعالى -: { وَرِيشاً } يحتمل أن يكون من باب عطف الصفات. والمعنى: أنه وصف اللباس بوصفين: مواراة السوأة، والزينة. ويحتمل أن يكون من باب عطف الشىء على غيره. أى: أنزلنا عليكم لباسا موصوفا بالمواراة، ولباسا موصوفا بالزينة".
ثم بين - سبحانه - أن هناك لباسا آخر أفضل وأكمل من كل ذلك فقال: { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ } أى: أن اللباس الذى يصون النفس من الدنايا والأرجاس، ويسترها بالإِيمان والعمل الصالح هو خير من كل لباس حسى يتزين به البشر. فاسم الإِشارة هنا يعود على لباس التقوى. وقد عبر القرآن هنا عن التقوى بأنها لباس، وعبر عنها فى موضع آخر بأنها زاد مشاكلة للسياق الذى وردت فيه هنا أو هناك. وذلك من باب تجسيم المعنويات وتنسيقها مع الجو العام الذى وردت فيه، وتلك طريقة انفرد بها القرآن الكريم.
قال صاحب الكشاف: "وقوله: { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ } مبتدأ، وخبره إما الجملة التى هى { ذٰلِكَ خَيْرٌ } كأنه قيل: ولباس التقوى هو خير، لأن أسماء الإِشارة تقرب من الضمائر فيما يرجع إلى عود الذكر. وإما المفرد الذى هو خير، وذلك صفة للمبتدأ، كأنه قيل: ولباس التقوى المشار إليه خير".
وقوله - تعالى -: { ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } معناه: ذلك الذى أنزله الله على بنى آدم من النعم من دلائل قدرته وإحسانه عليهم، لعلهم بعد ذلك لا يعودون إلى النسيان الذى أوقع أبويهم فى المعصية.
قال صاحب الكشاف: وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقب ذكر ظهور العورات وخصف الورق عليها، إظهارا للمنة فيما خلق من اللباس، ولما فى العرى وكشف العورة من المهانة والفضيحة، وإشعاراً بأن التستر باب عظيم من أبواب التقوى.
ثم أتبع القرآن النداء الأول بنداء آخر مبالغة فى وعظ بنى آدم وتذكيرهم بفضل الله عليهم، فقال - تعالى -: { يَابَنِيۤ ءَادَمَ.... }.