التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ
٤١
وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ
٤٢
كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيـۤئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٤٣
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
٤٤
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٤٥
كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ
٤٦
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٤٧
وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ
٤٨
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٤٩
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ
٥٠
-المرسلات

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

أى: { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } الذين صانوا فى دنياهم أنفسهم عن الكفر والفسوق والعصيان، واعتصموا بالرشد والهدى والإِيمان.
سيكونون يوم القيامة { فِي ظِلاَلٍ } الأشجار والقصور، جمع ظل: وهو كل موضع لا تصل إليه الشمس. وفى { عيون } من ماء وعسل ولبن وخمر.
وهم - أيضا - فى { فواكه } وهى ما يتفكه به ويتنعم. جمع فاكهة { مِمَّا يَشْتَهُونَ } أى: يأكلون من تلك الفواكه ما يشتهونه منها، بدون تعب فى طلبها، فهى تحت أيديهم.
ويقال لهم - على سبيل التكريم والتشريف - { كلوا } أكلا مريئا { واشربوا } شربا { هنيئا } جزاء { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } فى الدنيا من أعمال صالحة.
{ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } أى: إنا من شأننا أننا نعطى مثل هذا الجزاء الطيب للمؤمنين الذين أحسنوا أقوالهم وأفعالهم، وصانوا أنفسهم عن كل مالا يرضينا، هذا هو جزاء المتقين المحسنين، أما الكافرون المكذبون، فيقال لهم مرة ومرات - على سبيل التوبيخ والزجر -: { كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ }.
أى: { كُلُواْ } فى دنياكم كما تأكل الأنعام { وَتَمَتَّعُواْ } بملذاتكم متاعا { قَلِيلاً } سينتهى عما قريب، وستلقون فى آخرتكم أشد أنواع العذاب. بسبب أنكم كنتم فى الدنيا دأبكم الإِجرام، والإِصرار على الكفر والفسوق والعصيان.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف صح أن يقال لهم ذلك فى الآخرة؟ قلت: يقال لهم ذلك فى الآخرة إيذانا بأنهم كانوا فى الدنيا أحقاء بأن يقال لهم، وكانوا من أهله، تذكيرا بحالهم السمجة، وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل، على النعيم والملك الخالد.
وعلل ذلك بكونهم مجرمين، دلالة على أن كل مجرم ماله إلا الأكل والتمتع أياما قليلة، ثم البقاء فى الهلاك أبدا. ويجوز أن يكون { كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ } كلاما مستأنفا خطابا للمكذبين فى الدنيا..
وقوله - سبحانه -: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } أى: هلاك دائم وعذاب مقيم يوم القيامة للمكذبين، الذين آثروا المتاع القليل الفانى فى الدنيا، على النعيم الدائم فى الآخرة.
{ وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ } أى: وإذا قيل لهؤلاء المجرمين اركعوا فى الدنيا مع الراكعين، وأدوا فريضة الصلاة مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومع المؤمنين.
إذا قيل لهم ذلك - على سبيل النصح والإِرشاد - صموا آذانهم، وأصروا واستكبروا استكبارا، وأبوا أن يصلوا مع المصلين.
وعبر عن الصلاة بالركوع، باعتبار أن الركوع من أهم أركانها، فهو من باب التعبير بالجزء عن الكل.
{ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } أى: هلاك شديد يوم القيامة لهؤلاء المكذبين.
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذا التعجيب من أحوالهم التى بلغت النهاية فى القبح والجحود والعناد فقال - تعالى -: { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ }.
والفاء للإِفصاح، أى: إذا كانوا لم يؤمنوا بهذا القرآن المشتمل على أسمى أنواع الهدايات وأحكمها وأوضحها.. فبأى حديث بعد القرآن يؤمنون؟ إنه من المستبعد إيمانهم بعد أن أعرضوا عن كل الحجج التى تهدى إلى الإِيمان، فالاستفهام فى قوله: { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ... } مستعمل فى الإِنكار التعجيبى من حالهم، والضمير فى "بعده" يعود إلى القرآن، وهو وإن لم يسبق له ذكر، فإنه ملحوظ فى أذهانهم، إذ فى كل وقت يذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم به.
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -: { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ }.