التفاسير

< >
عرض

عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ
١
عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ
٢
ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ
٣
كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ
٤
ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ
٥
أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَٰداً
٦
وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً
٧
وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً
٨
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً
٩
وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ لِبَاساً
١٠
وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً
١١
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً
١٢
وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً
١٣
وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً
١٤
لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً
١٥
وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً
١٦
إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً
١٧
يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً
١٨
وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً
١٩
وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً
٢٠
-النبأ

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

لفظ "عم" مركب من كلمتين، هما حرف الجر "عن" و "ما" التى هى اسم استفهام، فأصل هذا اللفظ: "عن ما" فأدغمت النون فى الميم لأن الميم تشاركها فى الغنة، وحذفت الألف ليتميز الخبر عن الاستفهام. والجار والمجرور متعلق بفعل "يتساءلون".
والتساؤل: تفاعل من السؤال، بمعنى أن يسأل بعض الناس بعضا عن أمر معين، على سبيل معرفة وجه الحق فيه، أو على سبيل التهكم.
والنبأ: الخبر مطلقا، ويرى بعضهم أنه الخبر ذو الفائدة العظيمة.
والمعنى: عن أى شئ يتساءل هؤلاء المشركون؟ وعن أى أمر يسأل بعضهم بعضا؟ إنهم يتساءلون عن النبأ العظيم، والخبر الهام الذى جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم، والذى نطق به القرآن الكريم، من أن البعث حق، ومن أن هذا القرآن الكريم من عند الله - تعالى - ومن أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يأمرهم به أو ينهاهم عنه.
وافتتح - سبحانه - الكلام بأسلوب الاستفهام، لتشويق السامع إلى المستفهم عنه، ولتهويل أمره، وتعظيم شأنه.
والضمير فى قوله { يتساءلون } يعود إلى المشركون، الذين كانوا يكثرون من التساؤل فيما بينهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم، عما جاء به من عند ربه، فقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن الحسن قال: لما بعث النبى صلى الله عليه وسلم جعلوا يتساءلون فيما بينهم - عن أمره وعما جاءهم به - فنزل قوله - تعالى -: { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ. عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ.. }.
وصح عود الضمير إليهم مع أنهم لم يسبق لهم ذكر، لأنهم معروفون من السياق، إذ هم - دون غيرهم - الذين كانوا يتساءلون فيما بينهم - على سبيل التهكم - عما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم.
وقوله - تعالى -: { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } تهويل لشأن هذا الأمر الذى يتساءلون فيما بينهم عنه، ووصف - سبحانه - النبأ بالعظم، زيادة فى هذا التهويل والتفخيم من شأنه، لكى تتوجه إليه أذهانهم، وتلتفت إليهم أفهامهم.
فكأنه - سبحانه - يقول: عن أى شئ يسأل هؤلاء الجاحدون بعضهم بعضا؟ أتريدون أن تعرفوا ذلك على سبيل الحقيقة؟ إنهم يتساءلون عن النبأ العظيم، وعن الخبر الجسيم، { ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } ما بين منكر له إنكاراً تاما، كما حكى - سبحانه - عنهم فى قوله:
{ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } وما بين متردد فى شأنه، كما حكى - سبحانه - عن بعضهم فى قوله: { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } قال صاحب الكشاف قوله: { عم } أصله عما، على أنه حرف جر، دخل على ما الاستفهامية.
ومعنى هذا الاستفهام: تفخيم الشأن، كأنه قال: عن أى شئ يتساءلون. ونحوه ما فى قولك: زيد ما زيد؟ جعلته لانقطاع قرينه، وعدم نظيره، كأنه شئ خفى عليك جنسه. فأنت تسأل عن جنسه، وتفحص عن جوهره، كما تقول: ما الغول وما العنقاء..؟.
و { يَتَسَآءَلُونَ } يسأل بعضهم بعضا.. والضمير لأهل مكة، فقد كانوا يتساءلون فيما بينهم عن البعث.
وقوله: { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } بيان للشأن المفخم.
فإن قلت: قد زعمت أن الضمير فى { يَتَسَآءَلُونَ } للكفار، فما تصنع بقوله: { ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ }؟ قلت: كان فيهم من يقطع القول بإنكار البعث، ومنهم من يشك.
وقيل:الضمير للمسلمين والكافرين جميعا، وكانوا جميعا يسألون عنه، أما المسلم فليزداد خشية واستعدادا، وأما الكافر فليزداد استهزاء..
ثم هدد - سبحانه - هؤلاء المستهزئين بما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم تهديدا شديدا، فقال { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ }.
و "كلا" حرف زجر وردع، والمقصود بها هنا: ردع أولئك المتسائلين عن النبأ العظيم، ونوعدهم على اختلافهم فى شأنه.
أى: كلا ليس الأمر كما يتوهمه أولئك المتسائلون، من استهزائهم بما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم ومن إنكارهم لكون القرآن الكريم من عند الله، أو لكون البعث حق. بل الحق كل الحق أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق كل الصدق فيما يبلغه عن ربه، وأن هؤلاء المتسائلين سيرون عما قريب سوء عاقبة استهزائهم واختلافهم.
والجملة الثانية وهى قوله: { ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } جئ بها لزيادة التهديد والوعيد، ولبيان أن الوعيد الثانى أشد وأبلغ من الوعيد الأول.
وحذف مفعول { سَيَعْلَمُونَ } للتعميم والتهويل، أى: سيعلمون علم اليقين ما سيحل بهم من عذاب مقيم، وسيرون ذلك رأى العين عما قريب، كما قال - تعالى -
{ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً. وَنَرَاهُ قَرِيباً } }. ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك تسعة أدلة، كلها تدل على أن البعث حق، لأن القادر على إيجاد هذه الأشياء، قادر - أيضا - على إعادتهم إلى الحياة، فقال - تعالى -: { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَاداً } والاستفهام هنا للتقرير، أى: لقد جعلنا - بقدرتنا التى لا يعجزها شئ - الأرض كالفراش الممهد الموطأ، لتتمكنوا من الاستقرار عليها، ومن التقلب فيها.. كما يتقلب الطفل فى مهده، أى: فراشه.
والمهاد: مصدر بمعنى الفراش الموطأ الممهد، وهو اسم لما يوضع للصبى لكى ينام عليه، ووصفت الأرض به على سبيل المبالغة فى جعلها مكان استقرار الناس وانتفاعهم وراحتهم، والكلام على سبيل التشبيه البليغ، أو على حذف مضاف.
وجعل بمعنى صير. أى: لقد صيرنا الأرض بقدرتنا كفراش الصبى بالنسبة لكم، حيث تتقلبون عليها كما يتقلب الصبى فى فراشه.. أو صيرناها ذات مهاد.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه: فإن قلت: كيف اتصل قوله: { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَاداً } بما قبله؟. قلت: لما أنكروا البعث قيل لهم: ألم يخلق من يضاف إليه البعث هذه الخلائق العجيبة الدالة على كمال قدرته، فما وجه إنكار قدرته على البعث، وما هو إلا اختراع كهذه الاختراعات؟
ومهادا: فراشا، وقرئ: مهدا. ومعناه: أنها لهم كالمهد للصبى، وهو ما يمهد له فينوّم عليه، تسمية للممهود بالصدر، كضرب الأمير، أو وصفت بالمصدر، أو بمعنى ذات مهد..
وقوله: { وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } معطوف على ما قبله، والأوتاد: جمع وتد، وهو ما يشد به الشئ حتى لا يتحرك أو يضطرب، والكلام على التشبيه - أيضا -.
أى: لقد صيرنا - بقدرتنا - الأرض كالمهاد لتتمكنوا من الاستقرار عليها.. وجعلنا الجبال كالأوتاد للأرض، لئلا تميد أو تضطرب بكم.. كما قال - تعالى -:
{ وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ... } وقوله - سبحانه -: { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً } دليل ثالث على قدرته، والأزواج: جمع زوج. وهو اسم للعدد الذى يكرر الواحد منه مرة واحدة، والمراد به هنا: الذكور والإِناث.
أى: ومن مظاهر قدرتنا أننا خلقناكم - يا بنى آدم - مزدوَجين، أى: ذكرا وأنثى، ليتأتى التناسل، وحفظ النوع من الانقراض، وتنظيم أمر المعاش فى الأرض، عن طريق استمتاع كل نوع بالآخر، كما قال - تعالى -:
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً... } قال الآلوسى: { أَزْوَاجاً } أى: مزدوجين ذكرا وأنثى ليتسنى التناسل.
وقيل أزواجا: أى: أصنافا فى اللون والصورة واللسان. وقيل: يجوز أن يكون المراد من الخلق أزواجا: الخلق من منيين: منى الرجل ومنى المرأة..
وقوله - تعالى - { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } بيان لدليل رابع على قدرته - تعالى - على البعث. و"السبات" مصدر بمعنى السبت، أى: القطع، يقال: سبت فلان الشئ سبتا، إذا قطعه، وسبت فلان شعره، إذا حلقه وأزاله - وفعله كضرب ونصر -.
ويصح أن يكون قوله سباتا من السبت بمعنى الراحة والسكون، يقال: سبت فلان يسبت، إذا استراح بعد تعب، ومنه سمى يوم السبت، لأن اليهود ينقطعون فيه عن أعمالهم للراحة.
والمعنى: وجعلنا - بمقتضى حكمتنا ورحمتنا - نومكم "سباتا" أى: قطعا للحركة، لتحصل لكم للراحة التى لا تستطيعون مواصلة العمل إلا بعدها.
وهذه الحالة التى لا بد لكم منها، وهى الراحة بعد عناء العمل عن طريق النوم ثم استيقاظكم منه، أشبه ما تكون بإعادة الحياة إليكم بعد موتكم..
وقوله - تعالى - { وَجَعَلْنَا ٱللَّيْلَ لِبَاساً. وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } بيان لنعمة أخرى من نعمه التى لا تحصى، والتى تدل على كمال قدرته. أى: وجعلنا - بقدرتنا ورحمتنا - الليل كاللباس الساتر لكم، فهو يلفكم بظلمته، كما يلف اللباس صاحبه.. كما أننا جعلنا النهار وقت معاشكم، لكى تحصلوا فيه ما أنتم فى حاجة إلى تحصيله من أرزاق ومنافع.
ووصف - سبحانه - الليل بأنه كاللباس، والنهار بأنه وقت المعاش، لأن الشأن فيهما كذلك، إذ الليل هو وقت الراحة والسكون والاختلاء.. والنهار هو وقت السعى والحركة والانتشار.
ثم لفت - سبحانه - الأنظار إلى مظاهر قدرته فى خلق السموات فقال: { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً }.
أى: وبنينا وأوجدنا بقدرتنا التى لا يعجزها شئ، فوقكم - أيها الناس - سبع سماوات قويات محكمات، لا يتطرق إليهن فطور أو شقوق على مر العصور، وكر الدهور.
فقوله { شِدَاداً } جمع شديدة، وهى الهيئة الموصوفة بالشدة والقوة.
وقوله - سبحانه - { وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } نعمة أخرى من نعمه الدالة على قدرته.
والمراد بالسراج الوهاج: الشمس، وصفت بكونها سراجا، لأنها كالمصباح فى إضاءته لما حوله. ووصف السراج بأنه وهاج، مبالغة فى شدة ضيائه ولمعانه، من الوهج - يفتح الواو والهاء - بمعنى شدة الضياء..
والكلام على التشبيه البليغ، والمقصود منه تقريب صفة المشبه إلى الأذهان، وإلا فالشمس أعظم من كل سراج.
أى: وأنشأنا وأوجدنا - بقدرتنا ومنتنا - فى السماء، سراجا زاهرا مضيئا.. هو الشمس المتوهجة من شدة حرارتها وضيائها، والتى تشرق على هذا الكون فتحول ظلامه إلى نور، بقدرته - تعالى -.
أما الدليل التاسع على قدرته - تعالى - على البعث، فنراه فى قوله - تعالى - :
{ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً. لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً. وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً }.
والمعصرات - بضم الميم وكسر الصاد - السحب التى تحمل المطر، جمع معصرة - بكسر الصاد - اسم فاعل، من أعصرت السحابة إذا أوشكت على إنزال الماء لامتلائها به..
قال ابن كثير: عن ابن عباس: "المعصرات" الرياح. لأنها تستدر المطر من السحاب.. وفى رواية عنه أن المراد بها: السحاب، وكذا قال عكرمة.. واختاره ابن جرير..
وقال الفراء: هى السحاب التى تتحلب بالماء ولم تمطر بعد، كما يقال: امرأة معصر، إذا حان حيضها ولم تحض بعد.
وعن الحسن وقتادة: المعصرات: يعنى السموات. وهذا قول غريب، والأظهر أن المراد بها السحاب، كما قال - تعالى -:
{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ... } والثجاج: المندفع بقوة وكثرة، يقال: ثج الماء - كرد - إذا انصب بقوة وكثرة.
ومطر ثجاج، أى: شديد الانصباب جدا.
وقوله: { أَلْفَافاً } اسم جمع لا واحد له من لفظه، كالأوزاع للجماعات المتفرقة. وقيل: جمع لفيف، كأشراف وشريف. أى: وأنزلنا لكم - يا بنى آدم - بقدرتنا ورحمتنا - من السحائب التى أوشكت على الإِمطار، ماء كثيرا متدفقا بقوة، لنخرج بهذا الماء حبا تقتاتون به - كالقمح والشعير.. ونباتا تستعملونه لدوابكم كالتبن والكلأ، ولنخرج بهذا الماء - أيضا - بساتين قد التفت أغصانها لتقاربها وشدة نمائها.
فهذه تسعة أدلة أقامها - سبحانه - على أن البعث حق، وهى أدلة مشاهدة محسوسة، لا يستطيع عاقل إنكار واحد منها.. وما دام الأمر كذلك فكيف ينكرون قدرته على البعث، مع أنه - تعالى - قد أوجد لهم كل هذه النعم التى منها ما يتعلق بخلقهم، ومنها ما يتعلق بالأرض والسموات، ومنها ما يتعلق بنومهم، وبالليل والنهار، ومنها ما يتعلق بالشمس، وبالسحب التى تحمل لهم الماء الذى لا حياة لهم بدونه.
وبعد إيراد هذه الأدلة المقنعة لكل عاقل، أكد - سبحانه - ما اختلفوا فيه، وما تساءلوا عنه، وبين جانبا من أماراته وعلاماته فقال: { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً. يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً. وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً. وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً }.
والمراد بيوم الفصل: يوم القيامة، لأن فيه يكون الفصل بين المحق والمبطل، والمحسن والمسئ، فيجازى كل إنسان على حسب عمله.
والميقات - بزنة مفعال - مشتق من الوقت، وهو الزمان المحدد لفعل ما. والمراد به هنا: قيام الساعة، وبعث الناس من قبورهم. أى: إن يوم البعث والجزاء، كان ميعادا ووقتا محددا لبعث الأولين والأخرين، وما يترتب على ذلك من جزاء وثواب وعقاب.
وقوله: { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ... } بدل مما قبله، أى: يوم القيامة آت لا ريب فيه، يوم نأمر إسرافيل بأن ينفخ فى الصور، أى: فى القرن الذى أوجدناه لذلك.
{ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } أى: فتخرجون من قبوركم جماعات جماعات، وطوائف، طوائف دون أن يستطيع أحد منكم التخلف عن الحضور إلى المكان الذى أعددناه لذلك.
{ وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ... } فى هذا اليوم وشقت.. { فَكَانَتْ أَبْوَاباً } أى: فصارت شقوقها وفتحاتها كالأبواب فى سعتها وكثرتها.
{ وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ... } أى: وأزيلت الجبال وحركت من أماكنها بعد تفتتها.
{ فَكَانَتْ سَرَاباً } أى: فصارت بعد تفتتها واقتلاعها من أماكنها.. كالسراب، وهو ما يلوح فى الصحارى، فيظنه الرائى ماء وهو ليس بماء.
وبعد هذا البيان البديع لجانب من مظاهر قدرته - تعالى - على كل شئ، ومن ألوان نعمه على خلقه، ومن تقرير أن البعث حق.. بعد كل ذلك، بين - سبحانه - جزاء الكافرين، وجزاء المتقين فى هذا اليوم فقال - تعالى - :
{ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ... }.