التفاسير

< >
عرض

وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً
١
وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً
٢
وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً
٣
فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً
٤
فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً
٥
يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ
٦
تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ
٧
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ
٨
أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ
٩
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ
١٠
أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً
١١
قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ
١٢
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ
١٣
فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ
١٤
-النازعات

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

الواو فى قوله { وَٱلنَّازِعَاتِ.. } وما بعده للقسم، وجواب القسم محذوف دل عليه ما بعده، والتقدير: وحق هذه المخلوقات العظيمة.. لتبعثن.
وكذلك المقسم به محذوف، إذ أن هذه الألفاظ وهى: النازعات، والناشطات والسابحات، والسابقات، والمدبرات، صفات لموصوفات محذوفة، اختلف المفسرون فى المراد بها على أقوال كثيرة. أشهرها: أن المراد بهذه الموصوفات، طوائف من الملائكة، كلفهم الله - تعالى - بالقيام بأعمال عظيمة، وأفعال جسيمة.
والنازعات: جمع نازعة. والنزع: جذب الشىء بقوة، كنزع القوس عن كبده.
ومنه قوله - تعالى - فى النزع الحسى:
{ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } وقوله - سبحانه - فى النزع المعنوى: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } وقوله: { غرقا } اسم مصدر من أغرق، وأصله إغراقا. والإِغراق فى الشئ، المبالغة فيه والوصول به إلى نهايته، يقال: أغرق فلان هذا الأمر، إذا أوغل فيه، ومنه قوله: نزع فلان فى القوس فأغرق، أى: بلغ غاية المد حتى انتهى إلى النَّصْل.
وهو منصوب على المصدرية، لالتقائه مع اللفظ الذى قبله فى المعنى، وكذلك الشأن بالنسبة للالفاظ التى بعده، وهى: "نشطا، و "سبحا" و "سبقا".
والمعنى: وحق الملائكة الذين ينزعون أرواح الكافرين من أجسادهم، نزعا شديدا، يبلغ الغاية فى القسوة والغلظة.
ويشير إلى هذا المعنى قوله - تعالى - فى آيات متعددة، منها قوله - سبحانه -:
{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } وقوله: { وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً }: المقصود به طائفة أخرى من الملائكة. والناشطات من النَّشْط، وهو السرعة فى العمل، والخفة فى أخذ الشئ، ومنه الأنشوطة، للعقدة التى يسهل حلها، ويقال: نَشَطتُ الدلو من البئر - من باب ضرب - إذا نزعتها بسرعة وخفة.
أى: وحق الملائكة الذين ينشطون ويسرعون إسراعا شديدا لقبض أرواح المؤمنين بخفة وسهولة ويقولون لهم - على سبيل البشارة والتكريم -:
{ يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ. ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } وقوله - سبحانه -: { وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً } قسم ثالث بطائفة ثالثة من طوائف الملائكة، التى تَسْبَحُ فى هذا الكون، أى: تنطلق بسرعة لتنفيذ أمر الله - تعالى -، ولتسبيحه، وتحميده، وتكبيره، وتقديسه.
أى: وحق الملائكة الذين يسرعون التنقل فى هذا الكون إسراعا شديدا، لتنفيذ ما كلفهم - سبحانه - به، ولتسبيحه وتنزيهه عن كل نقص..
وقوله - تعالى -: { فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً } المقصود به طائفة رابعة من الملائكة، تسبق غيرها فى تنفيذ أمر الله - تعالى -، إذ السبق معناه: أن يتجاوز السائر من يسير معه، ويسبقه إلى المكان المقصود الوصول إليه، كما قال - تعالى - فى صفات المتقين:
{ أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } وقوله: { فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً } المقصود به طائفة خامسة من الملائكة، من وظائفهم تدبير شأن الخلائق، وتنظيم أحوالهم بالطريقة التى يأمرهم - سبحانه - بها، فنسبة التدبير إليهم، إنما هى على سبيل المجاز، لأن كل شئ فى هذا الكون إنما هو بقضاء الله وتقديره وتدبيره.
والمراد بالأمر: الشأن والغرض المهم، وتنوينه للتعظيم، ونصبه على المفعولية للفظ المدبرات. أى: وحق الملائكة الذين يرتبون شئون الخلائق، وينظمون أمورهم بالطريقة التى يكلفهم - سبحانه - بها.
وجاء العطف فى قوله: { فَٱلسَّابِقَاتِ } { فَٱلْمُدَبِّرَاتِ } بالفاء، للدلالة على ترتيب ما بعدها على ما قبلها بغير مهلة. وللإِيذان بأن هاتين الصفتين متفرعتين عما قبلهما.
وعلى هذا التفسير الذى سرنا فيه على أن هذه الصفات لموصوف واحد، سار كثير من المفسرين: فصاحب الكشاف صدر تفسيره لهذه الآيات بقوله: أقسم - سبحانه - بطوائف الملائكة، التى تنزع الأرواح من الأجساد وبالطوائف التى تنشطها، أى تخرجها.. بالطوائف التى تسبح فى مضيها، أى: تسرع فتسبق إلى ما أمروا به، فتدبر أمرا من أمور العباد مما يصلحهم فى دينهم ودنياهم، كما رسم الله - تعالى - لهم.. وأسند التدبير إليهم - أى إلى الملائكة - لأنهم من أسبابه.
وقال الشوكانى: أقسم - سبحانه - بهذه الأشياء التى ذكرها، وهى الملائكة التى تنزع أرواح العباد عن أجسادهم، كما ينزع النازع القوس فيبلغ بها غاية المد، وكذا المراد بالناشطات، والسابحات، والسابقات، والمدبرات، يعنى الملائكة، والعطف مع اتحاد الكل لتنزيل التغاير الوصفى، منزلة التغاير الذاتى، كما فى قول الشاعر:

إلى الملك القرم، وابن الهماموليث الكتيبة فى المزدحم

وهذا قول الجمهور من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم..
ومنهم من يرى أن المراد بالنازعات: النجوم تنتقل من مكان إلى مكان، أو الأقواس التى تنزع السهام، أو الغزاة ينزعون من دار الإِسلام إلى دار الحرب..
ومنهم من يرى أن المراد بالناشطات: الكواكب السيارة، أو السفن التى تمخر عباب الماء.. وأن المراد بالسابحات والسابقات: النجوم، أو الشمس والقمر، والليل والنهار..
أما المدبرات فقد أجمعوا على أن المراد بها الملائكة.
قال الجمل: اختلفت عبارات المفسرين فى هذه الكلمات، هل هى صفات لشئ واحد، أو لأشياء مختلفة، على أوجه: واتفقوا على أن المراد بقوله: { فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً } وصف لشئ واحد، وهم الملائكة.
ويبدو لنا أن كون هذه الصفات جميعها لشئ واحد، هو الملائكة، أقرب إلى الصواب لأنه المأثور عن كثير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
ثم شرع - سبحانه - فى بيان علامات القيامة وأهوالها فقال: { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ. تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ... }. والراجفة: من الرجف وهو الاضطراب الشديد، والحركة القوية، لأن بسببها تضطرب الأمور، وتختل الشئون. يقال: رجفت الأرض والجبال، إذا اهتزت اهتزازا شديدا.
والمراد بها: ما يحدث فى هذا الكون عند النفخة الأولى التى يموت بعدها جميع الخلائق.
والمراد بالرادفة: النفخة الثانية، التى تردف الأولى، أى: تأتى بعدها، وفيها يبعث الموتى بإذن الله - تعالى -، يقال: فلان جاء ردف فلان، إذا جاء فى أعقابه.
أى: اذكر - أيها العاقل - لتعتبر وتتعظ، يوم ينفخ فى الصور فتضطرب الأرض وتهتز، ويموت جميع الخلق، ثم يتبع ذلك نفخة أخرى يبعث بعدها الموتى - بإذن الله - تعالى -.
وجملة "تتبعها الرادفة" فى محل نصب على الحال من الراجفة.
وشبيه بهاتين الآيتين قوله - تعالى -:
{ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } وقوله - سبحانه -: { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ. أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } بيان لما يترتب على قيام الساعة، وبعث الخلائق، من خوف ورعب.
أى: قلوب كثيرة فى هذا اليوم الهائل الشديد تكون فى نهاية الاضطراب والفزع. يقال: وجف القلبُ يَجِف وَجْفاً ووجيفا، إذا ارتفعت ضرباته من شدة الخوف..
وتكون أبصار أصحاب هذه القلوب خاشعة، أى ذليلة مهينة، لما يعتريهم من الفزع الشديد، والرعب الذى لا حدود له..
ولفظ "قلوب" مبتدأ، وتنكيره للتكثير، وقوله: { وَاجِفَةٌ } صفة للقلوب، وجملة { أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } خبر ثان للقلوب.
والمراد بهذه القلوب: قلوب المشركين الذين أنكروا فى الدنيا البعث والجزاء، فلما بعثوا اعتراهم الرعب الشديد، والفزع الذى لا يقاربه فزع..
فأما قلوب المؤمنين فهى - بفضل الله ورحمته - تكون فى أمان واطمئنان، كما قال - تعالى -:
{ لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } وإضافة الأبصار إلى ضمير القلوب لأدنى ملابسة، لأن الأبصار لأصحاب هذه القلوب، وكلاهما من جوارح الأجساد.
وقوله - سبحانه -: { يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ. أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } حكاية لما كان يقوله هؤلاء الكافرون فى الدنيا، من إنكار للبعث، ومن استهزاء لمن كان يذكرهم به، ومن استبعاد شديد لحصوله..
والمراد بالحافرة: العودة إلى الحياة مرة أخرى بعد موتهم وتحولهم إلى عظام بالية.
قال صاحب الكشاف: { فِي ٱلْحَافِرَةِ } أى: فى الحالة الأولى يعنون: الحياة بعد الموت.
فإن قلت: ما حقيقة هذه الكلمة؟ قلت: يقال: رجع فلان فى حافرته، أى: فى طريقه التى جاء فيها فحفرها. أى: أثر فيها بمشيه فيها: جعل أثر قدميه حفرا.. ثم قيل لمن كان فى أمر فخرج منه ثم عاد إليه، رجع إلى حافرته، أى: طريقته وحالته الأولى.
وقوله: { نَّخِرَةً } صفة مشتقة من قولهم: نَخِر العظم - بفتح النون وكسر الخاء - إذا بَلِى وصار سهل التفتيت والكسر. وقرأ حمزة والكسائى "ناخرة" بمعنى بالية فارغة جوفاء، يسمع منها عند هبوب الريح نخير، أى: صوت.
أى: أن هؤلاء المشركين كانوا يقولون فى الدنيا - على سبيل التعجيب والاستهزاء والإِنكار لأمر البعث والحساب: أنرد إلى الحياة مرة أخرى بعد موتنا وبعد أن نصير فى قبورنا عظاما بالية.
وعبر - سبحانه - عن قولهم هذا بالمضارع "يقولون" لاستحضار حالتهم الغريبة، حيث أنكروا ما قام الدليل على عدم إنكاره، وللإِشعار بأن هذا الإِنكار كان متجددا ومستمرا منهم.
وقد ساق - سبحانه - أقوالهم هذه بأسلوب الاستفهام، للإِيذان بأنهم كانوا يقولون ما يقولون فى شأن البعث على سبيل التهكم والتعجب ممن يحدثهم عنه، كما هو شأن المستفهم عن شئ الذى لا يقصد معرفة الحقيقة، وإنما يقصد التعجيب والإِنكار.
وجملة { أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } مؤكدة للجملة السابقة عليها، التى يستبعدون فيها أمر البعث بأقوى أسلوب.
وقوله - تعالى -: { قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } حكاية لقول آخر من أقوالهم الفاسدة، وهو بدل اشتمال من قوله - سبحانه - قبل ذلك: { يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ }.
واسم الإِشارة "تلك" يعود إلى الردة المستفادة من قولهم { أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ... }.
ولفظ "إذا" جواب لكلامهم المتقدم. والكَرَّة: المرة من الكَرّ بمعنى الرجوع، وجمعها: كرَّات أى: يقول هؤلاء الجاحدون: أنرد إلى الحياة التى كنا فيها بعد أن نموت ونفنى؟ وبعد أن نصير عظاما نخرة؟ لو حدث هذا بأن رددنا إلى الحياة مرة أخرى، لكانت عودتنا عودة خاسرة غير رابحة، وهم يقصدون بهذا الكلام الزيادة فى التهكم والاستهزاء بالبعث.
والخسران: أصله عدم الربح فى التجارة، والمراد به هنا: حدوث ما يكرهونه لهم.
ونسب الخسران إلى الكرة على سبيل المجاز العقلى، للمبالغة فى وصفهم الرجعة بالخيبة والفشل، وإلا فالمراد خيبتهم وفشلهم هم، لأنهم تبين لهم كذبهم، وصدق من أخبرهم بأن الساعة حق.
وقد رد - سبحانه - عليهم ردا سريعا حاسما يخرس ألسنتهم فقال: { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ. فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ }.
والزجرة: المرة من الزجر، وهو الصياح المصحوب بالغضب، يقال: زجر فلان فلانا، إذا أمره أو نهاه عن شئ بحدة وغضب.
والساهرة: الأرض المستوية الخالية من النبات.
والمراد بها هنا: الأرض التى يحشر الله - تعالى - فيها الخلائق.
قال القرطبى: قوله: { فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ } أى: على وجه الأرض، بعد أن كانوا فى بطنها. سميت بهذا الاسم، لأن فيها نوم الحيوان وسهرهم، والعرب تسمى الفلاة ووجه الأرض ساهرة، بمعنى ذات سهر، لأنه يسهر فيها خوفا منها، فوصفها بصفة ما فيها..
والفاء فى قوله: { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ... } للتفريع على قولهم السابق، وضمير "هى" يعود إلى الحالة والقصة التى أنكروها، وهى قيام الساعة.
أى: قل لهم - أيها الرسول الكريم - على سبيل التوبيخ والتقريع: ليس الأمر كما زعمتم من أنه لا بعث ولا جزاء.. بل الحق أن ذلك لآت لا ريب فيه، وأن عودتكم إلى الحياة مرة أخرى لا تقتضى من خالقكم سوى صيحة واحدة يصيحها ملك من ملائكته بكم، فإذا أنتم قيام من قبوركم، ومجتمعون فى المكان الذى يحدده الله - تعالى - لاجتماعكم ولحسابكم وجزائكم.
وعبر - سبحانه - عن اجتماعهم بأرض المحشر بإذا الفجائية فقال: { فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ } للإِيذان بأن اجتماعهم هذا سيكون فى نهاية السرعة والخفة، وأنه سيتحقق فى أعقاب الزجرة بدون أقل تأخير.
ووصف - سبحانه - الزجرة بأنها واحدة، لتأكيد ما فى صيغة المرة من معنى الوحدة، أى: أن الأمر لا يقتضى سوى الإِذن منا بصيحة واحدة لا أكثر، تنهضون بعدها من قبوركم للحساب والجزاء، نهوضا لا تملكون معه التأخر أو التردد.. والمراد بها: النفخة الثانية.
وقال - سبحانه - { فَإِذَا هُم } بضمير الغيبة، إهمالا لشأنهم، وتحقيرا لهم عن استحقاق الخطاب.
وشبيه بهاتين الآيتين قوله - تعالى -:
{ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } وإلى هنا نجد السورة الكريمة قد حثتنا حديثا بليغا مؤثرا عن أهوال يوم القيامة، وعن أحوال المجرمين فى هذا اليوم العسير.
ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك جانبا من قصة موسى مع فرعون، لتكون تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم عما أصابه من هؤلاء الجاحدين، وتهديدا لهم حتى يقلعوا عن غيهم.. فقال - تعالى -:
{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ... }.