التفاسير

< >
عرض

ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا
٢٧
رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا
٢٨
وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا
٢٩
وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا
٣٠
أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا
٣١
وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا
٣٢
مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ
٣٣
فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ
٣٤
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ مَا سَعَىٰ
٣٥
وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ
٣٦
فَأَمَّا مَن طَغَىٰ
٣٧
وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا
٣٨
فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ
٣٩
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ
٤٠
فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ
٤١
يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا
٤٢
فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَٰهَا
٤٣
إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَٰهَآ
٤٤
إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَٰهَا
٤٥
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا
٤٦
-النازعات

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

الخطاب فى قوله - تعالى -: { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً... } لأولئك الجاحدين الجاهلين الذين استنكروا إعادتهم إلى الحياة بعد موتهم، وقالوا: { أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ } وجاء هذا الخطاب على سبيل التقريع والتوبيخ لهم، حيث بين لهم - سبحانه - أن إعادتهم إلى الحياة، ليست بأصعب من خلق السموات والأرض.
و { أَشَدُّ } أفعل تفضيل، والمفضل عليه محذوف، لدلالة قوله - تعالى - : { أَمِ ٱلسَّمَآءُ } عليه.
والمراد بالأشد هنا: الأصعب بالنسبة لاعتقاد المخاطبين، إذ كل شئ فى هذا الكون خاضع لإِرادة الله - تعالى - ومشيئته
{ إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } والمعنى: أخلقكم - أيها الجاهلون - بعد موتكم، وإعادتكم إلى الحياة بعد هلاككم، أشد وأصعب فى تقديركم، أم خلق السماء التى ترون بأعينكم عظمتها وضخامتها، والتى أوجدها - سبحانه وبناها بقدرته.
فالمقصود من الآية الكريمة لفت أنظارهم إلى أمر معلوم عندهم بالمشاهدة، وهو أن خلق السماء أعظم وأبلغ من خلقهم، ومن كان قادرا على الأبلغ والأعظم كان على ما هو أقل منه - وهو خلقهم وإعادتهم بعد موتهم - أقدر.
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -:
{ لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ... } ثم بين - سبحانه - جانبا من بديع قدرته فى خلق السماء فقال: { رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا }.
والسَّمْك - بفتح السين - المشددة وسكون الميم - : الرفع فى الفضاء، وجعل الشئ عاليا عن غيره.
تقول: سمكت الشئ، إذا رفعته فى الهواء، وبناء مسموك، أى: مرتفع، ومنه قول الشاعر:

إن الذى سمك السماء بنى لنابيتا دعائمه أعز وأطول

أى: أن الله - تعالى - بقدرته، جعل مقدار ارتفاع السماء عن الأرض عظيما، وبجانب ذلك سوى بحكمته هذه السماء، بأن جعلها خالية من الشقوق والثقوب.. كما قال - سبحانه -: { مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ... } وجملة { وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا... } معطوفة على "بناها" والإِغطاش: الإِظلام الشديد.
يقال" غطش الليل - من باب ضرب - إذا اشتد ظلامه.
أى: وجعل - بقدرته - ليل هذه السماء مظلما غاية الإِظلام: بسبب مغيب شمسها.
{ وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا } أى: وأبرز وأضاء نهارها، إذ الضحكى فى الأصل: انتشار الشمس، وامتداد النهار. ثم سمى به هذا الوقت، لبروز ضوء الشمس فيه أكثر من غيره، فهو من باب تسمية الشئ باسم أشرف أجزائه وأطيبها.
وأضاف - سبحانه - الليل والضحى إلى السماء لأنهما يحدثان بسبب غروب شمسها وطلوعها.
ثم انتقلت الآيات الكريمة من الاستدلال على قدرته - تعالى - عن طريق خلق السماء، إلى الاستدلال على قدرته عن طريق خلق الأرض فقال: { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا }.
ولفظ "الأرض" منصوب على الاشتغال. واسم الإِشارة "ذلك" يعود إلى خلق السماء وتسويتها ورفعها وإغطاش ليلها. وقوله { دَحَاهَا } من الدحو بمعنى البسط، تقول: دحوت الشئ أدحوه، إذا بسطته..
أى: خلق - سبحانه - السماء وسواها، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها، والأرض بعد كل ذلك الخلق البديع للسماء، بسطها وأوسعها لتكون مستقرا لكم وموضعا لتقبلكم عليها..
وقد أخذ بعض العلماء من هذه الآية، تأخر خلق الأرض عن خلق السماء..
وجمهور العلماء على أن خلق الأرض متقدم على خلق السماء، بدليل قوله - تعالى -:
{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } قالوا فى الجمع بين هذه الآية التى معنا، وبين آية سورة البقرة، بما روى عن ابن عباس من أنه سئل عن الجمع بين هاتين الآيتين فقال: خلق الله - تعالى - الأرض أولا غير مدحوة، ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وجعل فيها الرواسى والأنهار وغيرهما. أى: أن أصل خلق الأرض كان قبل خلق السماء، ودحوها بجبالها وأشجارها، كان بعد خلق السماء.
وقالوا - أيضا - فى وجه الجمع، إن لفظ بعد فى قوله - تعالى - { بَعْدَ ذَلِكَ } بمعنى مع. أى: والأرض مع ذلك بسطها ومهدها لسكنى أهلها فيها..
وقدم - سبحانه - هنا خلق السماء على الأرض، لأنه أدل على القدرة الباهرة، لعظم السماء وانطوائها على الأعاجيب.
وقوله - سبحانه - { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا. وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } بدل اشتمال من قوله { دحاها }، أو بيان وتفسير لدحوها، والمرعى: مصدر ميمى أطلق على المفعول، كالخلق بمعنى المخلوق، أى أخرج منها ما يُرْعَى.
أى: والأرض جعلها مستقرا لكم، ومكانا لانتفاعكم، بأن أخرج منها ماءها، عن طريق تفجير العيون والآبار والبحار، وأخرج منها { مرعاها } أى: جميع ما يقتات به الناس والدواب، بدليل قوله - تعالى - بعد ذلك: { مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ }.
وكذلك من مظاهر قدرته - تعالى- ورحمته بكم، أنه أثبت الجبال فى الأرض حتى لا تميد أو تضطرب، فالمقصود بإرسال الجبال: تثبيتها فى الأرض.
وقوله - تعالى -: { مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } بيان لوجه المنة فى خلق الأرض على هذه الطريقة البديعة.
والمتاع: اسم لما يتمتع به الإِنسان من منافع الحياة الدنيا لمدة محدودة من الزمان، وانتصب لفظ "متاعا" هنا بفعل مقدر من لفظه، أى: متعناكم متاعا.
والمعنى: دحونا الأرض، وأخرجنا منها ماءها ومرعاها.. لتكون موضع منفعة لكم، تتمتعون بخيراتها أنتم وأنعامكم، إلى وقت معين من الزمان، تتركونها لانتهاء أعماركم.
ثم بين - سبحانه - حال الأشقياء والسعداء يوم القيامة، فقال: { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ }. والطامة: اسم للمصيبة العظمى، التى تَطُمُّ وتغلب وتعلو ما سواها من مصائب، من قولهم: طمَّ الشئ يطُمُّه طَمّاً، إذا غمره. وكل شئ كثر وعلا على غيره، فقد طم عليه. ويقال: طم الماء الأرض إذا غمرها.
وهذا الوصف ليوم القيامة، من أوصاف التهويل والشدة، لأن أحوالها تغمر الناس وتجعلهم لا يفكرون فى شئ سواها.
وجواب الشرط محذوف، والمجئ هنا: بمعنى الحدوث والوقوع، أى: فإذا وقعت القيامة، وقامت الساعة.. حدث ما حدث ما لم يكن فى الحسبان من شدائد وأهوال.
وقوله: { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ مَا سَعَىٰ } بدل اشتمال من الجملة التى قبلها وهى قوله: { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ } لأن ما أضيف إليه لفظ "يوم" من الأحوال التى يشملها يوم القيامة، وتذكر الإِنسان لسعيه فى الدنيا، يكون بإطلاعه على أعماله التى نسيها، ورؤيته إياها فى كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
أى: فإذا قامت القيامة، وتذكر الإِنسان فى هذا الوقت ما كان قد نسيه من أعمال فى دنياه، وقع له من الخوف والفزع مالا يدخل تحت وصف..
وقوله: { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ } معطوف على قوله { جاءت }. أى: فإذا جاءت الطامة الكبرى، وتذكر الإِنسان فيها ما كان قد نسيه من أعمال دنيوية { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ } أى: وأظهرت إظهاراً واضحا لا خفاء فيه ولا لبس { لِمَن يَرَىٰ } أى: لكل راء. كان الهول الأعظم
وقوله - سبحانه -: { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ... } تفصيل لأحوال الناس فى هذا اليوم.
أى: { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } بأن تجاوز الحدود فى الكفر والفسوق والعصيان { وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } بأن قدم متاعها الفانى، على نعيم الآخرة الخالد..
{ فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } أى: فإن مصير هذا الإِنسان الشقى سيكون إلى النار الملتهبة، لا منزل له سواها فى هذا اليوم.
{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ } أى: خاف عظمته وجلاله، وسلح نفسه بالإِيمان والعمل الصالح استعدادا لهذا اليوم الذى يجازى فيه كل إنسان بما يستحقه.
{ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } أى: وزجر نفسه وكفها عن السيئات والمعاصى والميول نحو الأهوال الضالة المضلة.
{ فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } أى: فإن الجنة فى هذا اليوم، ستكون هى مأواه ومنزله ومستقره..
ثم لقن الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم الجواب الذى يرد به على المشركين، الذين كانوا يكثرون من سؤاله عن يوم القيامة، على سبيل الإِنكار والاستهزاء، فقال - تعالى -: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا }.
وأيان: اسم يستفهم به عن تعيين الوقت وتحديده، فهو ظرف زمان متضمن معنى "متى" ومرساها: مصدر ميمى من أرسى الشئ إذا ثبته وأقره، ولا يكاد يستعمل هذا اللفظ إلا فى الشئ الثقيل، كما فى قوله - تعالى -: { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا... }.
ونسبة الإِرساء إلى الساعة، باعتبار تشبيه المعانى بالأجسام. و "أيان" خبر مقدم، و "مرساها" مبتدأ مؤخر.
والمعنى: يسألك يا محمد هؤلاء القوم عن وقت قيام الساعة، قائلين لك: متى يكون استقرارها وإرساؤها وإرساؤها ووقوعها؟.
وأطلق على يوم القيامة ساعة لوقوع بغتة، أو لسرعة ما فيه من الحساب، أو لأنه على طوله، زمان يسير عند الله - تعالى -.
وقوله - سبحانه -: { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا. إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ } واقع موقع الجواب عن سؤالهم عن الساعة، وعن وقت وقوعها.
والمقصود بهذا الجواب توبيخهم على إلحاحهم فى السؤال عنها، مع أن الأولى بهم كان الاستعداد لها بالإِيمان والعمل الصالح.
و "ما" فى قوله { فيم } اسم استفهام بمعنى: أى شئ، وهى هنا مستعملة فى التعجيب من كثرة أسئلتهم عن شئ لا يهمهم حدوثه، وإنما الذى يهمهم - لو كانوا يعقلون - هو حسن الاستعداد له.
قال الآلوسى: قوله: { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا } إنكار ورد لسؤال المشركين عنها. أى: فى أى شئ أنت من أن تذكر لهم وقتها، وتعلمهم به حتى يسألونك بيانها، كقوله - تعالى -
{ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } فالاستفهام للإِنكار. وفيم خبر مقدم، وأنت مبتدأ مؤخر. وقوله { مِن ذِكْرَاهَا } على تقدير مضاف، أى: ذكرى وقتها، وهو متعلق بما تعلق به الخبر.
وقيل: { فيم } إنكار لسؤالهم، وما بعده استئناف تعليل للإِنكار، وبيان لبطلان السؤال. أى فيم هذا السؤال، ثم ابتدئ فقيل: أنت من ذكراها. أى: إرسالك وأنت خاتم النبيين.. علامة من علاماتها.
وقوله - تعالى - { إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ } أى: إلى ربك وحده منتهى علم قيامها، لأنه - سبحانه - هو وحده - من دون غيره - العليم علما تاما بالوقت الذى ستقوم فيه الساعة.
ومن الآيات التى وردت فى هذا المعنى قوله:
{ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ... } وقوله - سبحانه - { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ... } وقوله - تعالى -: { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا } تحديد لوظيفته صلى الله عليه وسلم أى: ليست وظيفتك - أيها الرسول الكريم - معرفة الوقت الذى تقوم فيه الساعة، فهذا أمر مرد معرفته إلى الله وحده.. وإنما وظيفتك امتثال ما أمرت به، من بيان اقترابها، وتفصيل أهوالها، ودعوة الناس إلى حسن الاستعداد لها بالإِيمان والعمل الصالح..
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا ترك هؤلاء الجاهلون ما يجب عليهم من الإِيمان والعمل الصالح، وأخذوا يسألونك عن أشياء خارجة عن وظيفتك؟.
وخص - سبحانه - الإِنذار بمن يخشى قيام الساعة، مع أن رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة. وإنذاره إنما هو لهم جميعا، لأن هؤلاء الذين يخشون وقوعها، ويعملون العمل الصالح الذى ينجيهم من أهوالها، هم الذين ينتفعون بهذا الإِنذار.
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة، ببيان حالهم عند قيام الساعة، فقال - تعالى -: { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا }.
والعشية: هى الوقت الكائن من الزوال إلى الغروب. والضحى: الوقت الكائن من أوائل النهار إلى الزوال.
أى: كأن هؤلاء المشركين حين يرون الساعة وقد فاجأتهم بأهوالها، لم يلبثوا فى دنياهم أو فى قبورهم إلا وقتا يسيرا، يشبه العشية أو الضحى بالنسبة للزمان الطويل.
فالمقصود من الآية الكريمة: بيان أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن المشركين عند إتيانها كأنهم ما لبثوا فى انتظارها إلا يوما أو بعض يوم..
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف صحت إضافة الضحى إلى العشية؟ قلت: لما بينهما من الملابسة لاجتماعهما فى نهار واحد.
فإن قلت: فهلا قيل: إلا عشية أو ضحى وما فائدة الإِضافة؟ قلت: للدلالة على أن مدة لبثهم، كأنها لم تبلغ يوما كاملا، ولكن ساعة منه عشيته أو ضحاه، فلما ترك اليوم أضافه إلى عشيته. فهو كقوله: { لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ }.