التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٧٢
وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ
٧٣
وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
٧٤
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٧٥
-الأنفال

الوسيط في تفسير القرآن الكريم

هذه الآيات الكريمة التى ختم الله - تعالى - بها سورة الأنفال، وضحت أن المؤمنين فى العهد النبوى أقسام، وذكرت حكم كل قسم منهم.
أما القسم الأول: فهم المهاجرون الأولون أصحاب الهجرة الأولى.
وأما القسم الثانى: فهم الأنصار من أهل المدينة.
والقسم الثالث: المؤمنون الذين لم يهاجروا.
والقسم الرابع: المؤمنون الذين هاجروا بعد صلح الحديبية.
وقد عبر - سبحانه - عن القسمين: الأول والثانى بقوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ... }.
أى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله - تعالى - حق الإِيمان { وَهَاجَرُواْ } أى تركوا ديارهم وأوطانهم وكل نفيس من زينة الحياة الدنيا. من أجل الفرار بدينهم من فتنة المشركين، ومن أجل نشر دين الله فى الأرض { وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أى: أنهم مع إيمانهم الصادق، وسبقهم بالهجرة إرضاء لله - تعالى -، قد بالغوا فى إتعاب أنفسهم من أجل نصرة الحق، فقدموا ما يملكون من أموال، وقدموا نفوسهم رخيصة لا فى سبيل عرض من أعراض الدنيا، وإنما فى سبيل مرضاة الله ونصرة دينه.
فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف هذا القسم الأول المؤمنين وهم الذين سبقوا إلى الهجرة. بأعظم الصفات وأكرمها.
فقد وصفهم بالإِيمان الصادق، وبالمهاجرة فرارا بدينهم من الفتن، وبالمجاهدة بالمال والنفس فى سبيل إعلاء كلمة الله.
وقد جاءت هذه الأوصاف الجليلة مرتبة حسب الوقوع، فإن أول ما حصل منهم هو الإِيمان، ثم جاءت من بعده الهجرة، ثم الجهاد.
ولعل تقديم المجاهدة بالأموال هنا على المجاهدة بالأنفس، لأن المجاهدة بالأموال أكثر وقوعا، وأتم دفعا للحاجة، حيث لا تتصور المجاهدة بالنفس بلا مجاهدة بالأموال.
وقوله { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } متعلق بقوله { وَجَاهَدُواْ } لإِبراز أن جهادهم لم يكن لأى غرض دنيوى، وإنما كان من أجل نصرة الحق وإعلاء كلمته - سبحانه -.
وقوله: { وَٱلَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ } بيان للقسم الثانى من أقسام المؤمنين فى العهد النبوى، وهم الأنصار من أهل المدينة الذين فتحوا للمهاجرين قلوبهم، واستقبلوهم أحسن استقبال، حيث أسكنوهم منازلهم، وبذلوا لهم أموالهم، وآثروهم على أنفسهم، ونصروهم على أعدائهم.
فالآية الكريمة قد وصفت الأنصار بوصفين كريمين.
أولهما: الإِيواء الذى يتضمن معنى التأمين من الخوف، إذا المأوى هو المجأ والمأمن مما يخشى منه، ومن ذلك قوله - تعالى -
{ { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ... } وقوله - تعالى - { وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ... } }. ولقد كانت المدينة مأوى وملجأ للمهاجرين، وكان أهلها مثالا للكرم والإِيثار..
ثانيهما: النصرة، لأن أهل المدينة قد نصروا الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرين بكل ما يملكون من وسائل التأييد والمؤازرة، فقد قاتلوا من قاتلهم، وعادوا من عاداهم، ولذا جعل الله - تعالى - حكمهم وحكم المهاجرين واحدا فقال: { أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ }.
فاسم الإِشارة يعود إلى المهاجرين السابقين، وإلى الأنصار.
وقوله: { أَوْلِيَآءُ } جمع ولى ويطلق على الناصر والمعين والصديق والقريب..
والمراد بالولاية هنا: الولاية العامة التى تتناول التناصر والتعاون والتوارث..
أى: أولئك المذكورون الموصوفون بهذه الصفات الفاضلة يتولى بعضهم بعضا فى النصرة والمعاونة والتوارث... وغير ذلك، لأن حقوقهم ومصالحهم مشتركة.
قال الالوسى ما ملخصه: "روى عن ابن عباس أن النبى - صلى الله عليه وسلم - آخى بين المهاجرين والأنصار، فكان المهاجر يرثه أخوه الأنصارى، إذا لم يكن له بالمدينة ولى مهاجرى وبالعكس، واستمر أمرهم على ذلك إلى فتح مكة ثم توارثوا بالنسب بعد إذ لم تكن هجرة.. وعليه فالآية منسوخة بقوله - تعالى - بعد ذلك { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ... }".
وقال الأصم: الآية محكمة، والمراد الولاية بالنصرة والمظاهرة.
والذى نراه أن الولاية هنا عامة فهى تشمل كل ما يحتاج إليه المسلمون فيما بينهم من تعاون وتناصر وتكافل وتوارث وغير ذلك..
وقوله - تعالى -: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ... } بيان لحكم القسم الثالث من أقسام المؤمنين فى العهد النبوى..
أى: هذا الذى ذكرته لكم قبل ذلك فى الآية هو حكم المهاجرين السابقين والأنصار الذى آووهم ونصروهم أما حكم الذين آمنوا ولم يهاجروا، وهم المقيمون فى أرض الشرك تحت سلطان المشركين وحكمهم. فإنهم ليس بينهم وبين المهاجرين والأنصار ولاية إرث { حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } إلى المدينة، كما أنكم - أيها المؤمنون - لا تنتظروا منهم تعاونا أو مناصرة، لأنهم بسبب إقامتهم فى أرض الشرك وتحت سلطانه - أصبحوا لا يملكون وسائل المناصرة لكم.
ثم قال - تعالى -: { وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ }.
أى: وان طلب منكم هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا النصرة على أعدائكم فى الدين، فيجب عليكم أن تنصروهم، لأنهم إخوانكم فى العقيدة، بشرط ألا يكون بينكم وبين هؤلاء الأعداء عهد ومهادنة، فإنكم فى هذه الحالة يحظر عليكم نصرة هؤلاء المؤمنين الذين لم يهاجروا، لأن فى نصرتهم - على من بينكم وبينهم عهد - نقضا لهذا العهد.
أى: إن نصرتكم لهم إنما تكون على الكفار الحربيين لا على الكفار المعاهدين وهذا يدل على رعاية الإِسلام للعهود، واحترامه للشروط والعقود.
قال الجمل: أثبت الله - تعالى - للقسمين الأولين النصرة والإِرث، ونفى عن هذا القسم الإِرث وأثبت لها النصرة.
وقوله: { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } تذييل قصد به الترغيب فى طاعة الله، والتحذير عن معصيته.
أى: والله - تعالى - مطلع على كل أعمالكم فأطيعوه، ولا تخالفوا أمره.
قبل أن تذكر السورة القسم القسم الرابع من أقسام المؤمنين، تتحدث عن ولاية الكفار بعضهم لبعض فتقول: { وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ }.
أى: والذين كفروا بعضهم أولياء بعض فى النصرة والتعاون على قتالكم وإيذائكم - أيها المؤمنون - فهم وإن اختلفوا فيما بينهم إلا أنهم يتفقون على عداوتكم وإنزال الأضرار بكم.
وقوله: { إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } تحذير شديد للمؤمنين عن مخالفة أمره - سبحانه -.
أى: إلا تفعلوا - أيها المؤمنون - ما أمرتكم به من التناصر والتواصل وتولى بعضكم بعضا، ومن قطع العلائق بينكم وبين الكفار، تحصل فتنة كبيرة فى الأرض، ومفسدة شديدة فيها، لأنكم إذا لم تصيروا يداً واحدة على الشرك، يضعف شأنكم، وتذهب ريحكم، وتسفك دماؤكم ويتطاول أعداؤكم عليكم، وتصيرون عاجزين عن الدفاع عن دينكم وعرضكم... وبذلك تعم الفتنة، وينتشر الفساد.
وقوله - تعالى - { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً... } كلام مسوق للثناء على القسمين الأولين من الأقسام الثلاثة للمؤمنين وهم المهاجرون والأنصار.
إذ أن الآية الأولى من هذه الآيات الكريمة قد ساقها الله - تعالى - لايجاب التواصل بينهم، أما هذه الآية فقد ساقها سبحانه - للثناء عليهم والشهادة لهم بأنهم هم المؤمنون حق الايمان وأكمله، بخلاف من أقام من المؤمنين بدار الشرك، مع الحاجة إلى هجرته وجهاده.
قال الفخر الرازى: أثنى الله - تعالى - على المهاجرين والأنصار من ثلاثة أوجه:
أولها - قوله: { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } فإن هذه الجملة تفيد المبالغة فى مدحهم، حيث وصفهم بكونهم محقين فى طريق الدين.
وقد كانوا كذلك، لأن من لم يكن محقا فى دينه لم يتحمل ترك الأديان السالفة، ولم يفارق الأهل والوطن، ولم يبذل النفس والمال.
وثانيها - قوله: { لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ } والتنكير يدل على الكمال، أى: مغفرة تامة كاملة.
وثالثها - قوله: { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } والمراد منه الثواب الرفيع.
والحاصل: أنه - سبحانه - شرح أحوالهم فى الدنيا والآخرة. أما فى الدنيا فقد وصفهم بقوله: { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً }.
وأما فى الآخرة فالمقصود إما دفع العقاب، وإما جلب الثواب.
أما دفع العقاب فهو المراد بقوله { لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ... }وأما جلب الثواب فهو المراد بقوله { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }.
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة ببيان القسم الرابع من أقسام المؤمنين فى العهد النبوى فقال: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ.. }.
أى: والذين آمنوا من بعد المؤمنين السابقين إلى الإيمان والهجرة، وهاجروا إلى المدينة، وجاهدوا مع المهاجرين السابقين والأنصار من أجل إعلاء كلمة الله، فأولئك الذين هذا شأنهم { مِنكُمْ } أى: من جملتكم - أيها المهاجرون والأنصار فى استحقاق الموالاة والنصرة، واستحقاق الأجر من الله، إلا أن هذا الأجر ينقص عن أجركم، لأنه لا يتساوى السابق فى الإِيمان والهجرة والجهاد مع المتأخر فى ذلك.
قالوا: والمراد بهذا القسم الرابع من أقسام المؤمنين، أهل الهجرة الثانية التى وقعت بعد الهجرة الأولى، وقيل المرد بهذا القسم المهاجرون بعد صلح الحديبية، أو بعد غزوة بدر، أو بعد نزول هذه الاية، فيكون الفعل الماضى { آمَنُواْ } وما بعده بمعنى المستقبل.
وقوله: { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ.. } بيانا لحقوق الأقارب بالنسب.
والأرحام جمع رحم، وأصله رحم المرأة الذى هو موضع تكوين الولد فى بطنها، وسمى به الأقارب، لأنهم فى الغالب من رحم واحدة وأولوا الأرحام فى اصطلاح علماء الفرائض: هم الذين لا يرثون بفرض ولا تعصيب.
أى: وذوو القرابة بعضهم أولى فى التوارث وفى غير ذلك مما تقتضيه مطالب الحياة من التكافل والتراحم.
وقوله: { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } أى: فى حكمه الذى كتبه على عباده المؤمنين، وأوجب به عليهم صلة الأرحام فى هذه الآية وغيرها.
قال الآلوسى: "أخرج الطيالسى والطبرانى وغيرهما عن ابن عباس قال: آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه، وورث بعضهم من بعض حتى نزلت هذه الآية فتركوا ذلك وتوارثوا بالنسب.
أى أن هذه الآية الكريمة نسخت ما كان بين المهاجرين والانصار من التوارث بسبب الهجرة والمؤاخاة.
وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } تذييل ختمت به السورة الكريمة لحض المؤمنين على التمسك بما اشتملت عليه من آداب وتشريعات وأحكام لينالوا رضاه وثوابه.
أى: إن الله - تعالى - مطلع على كل شئ مما يدور ويجرى فى هذا الكون، ولا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء، وسيجازى الذين أساؤوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد مدحت المهاجرين والأنصار مدحا عظيما، كما مدحت المؤمنين من بعدهم، وحضت على الجهاد فى سبيل الله، وأمرت بالوفاء بالعهود، وبالوقوف صفا واحدا فى وجه الكفار حتى تكون كلمة الله هى العليا وكلمة الذين كفروا هى السفلى.
وبعد: فهذا ما وفق الله إليه فى تفسير سورة الأنفال، أو سورة بدر - كما سماها ابن عباس - لأنها تحدثت باستفاضة عن أحداث هذه الغزوة وعن أحوال المشتركين فيها، وعن بشارات النصر التى تقدمتها وصاحبتها وعن غنائمها وأسراها.
كما تحدثت عن صفات المؤمنين الصادقين، وعن الأقوال والأعمال التى يجب عليهم أن يتمسكوا بها لينالوا رضا الله ونصره، وعن رذائل المشركين ومسالكهم القبيحة لمحاربة الدعوة الاسلامية، وعن المبادئ التى يجب أن يسير عليهم المسلمون فى حربهم وسلمهم، وعن سنن الله فى خلقه التى لا تتغير ولا تتبدل، والتى من أهمها:
أنه - سبحانه - لا يسلب نعمة عن قوم إلا بسبب معاصيهم وتنكبهم الطريق القويم، قال - تعالى -:
{ { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } }. وأنه - سبحانه - قد جعل العاقبة الحسنة للمؤمنين، والعاقبة السيئة للفاسقين، وأخبر المنحرفين عن صراطه بأنه سيغفر لهم ما سلف من خطاياهم متى أقلعوا عنها، وأخلصوا له العبادة.
قال - تعالى -
{ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } }. وختاما: نسأل الله - تعالى - أن يوفقنا للمداومة على خدمة كتابه، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا، وأن يتم لنا نورنا ويغفر لنا إنه على كل شئ قدير.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.