التفاسير

< >
عرض

فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ
١٠٢
-يونس

خواطر محمد متولي الشعراوي

وهؤلاء الذين لا يؤمنون يظلون في طغيانهم يعمهون، وكأنهم ينتظرون أن تتكرر معهم أحداث الذين سبقوا ولم يؤمنوا، لقد جاءهم الرسول ببيان ككل المكذِّبين السابقين.
ونحن نعلم أن اليوم هو وحدة من وحدات الزمن، وبعده الأسبوع، وبعد الأسبوع نجد الشهر، ثم نجد السنة، وكلما ارتقى الإنسان قسَّم اليوم إلى ساعات، وقسَّم الساعات إلى دقائق، وقسَّم الدقائق إلى ثوانٍ.
وكلما تقدمت الأحداث في الزمن نجد المقاييس تزداد دقة، واليوم - كما قلنا - جعله الله سبحانه وتعالى وحدة من وحدات الزمن، وهو مُكوَّن من ليل ونهار.
ولكن قد يُذكر اليوم ويُراد به ما حدث فيه من أحداث مُلْفِتة، مثلما نقول: "يوم ذي قَرَد" و"يوم حنين" و"يوم أحُد".
إذن: فقد يكون المقصود باليوم الحدث البارز الذي حدث فيه، وحين ننظر في التاريخ، ونجد كتاباً اسمه "تاريخ أيام العرب"، فنجد "يوم بُعَاث" و"يوم أوطاس" وكل يوم يمثل حرباً.
إذن: فاليوم ظرف زمني، ولكن قد يُقصَد به الحدث الذي كان في مثل هذا اليوم.
ومثال ذلك أنك قد تجد من أهل الزمن المعاصر مَنْ عاش في أزمنة سابقة فيتذكر الأيام الخوالي ويقول: كانت الأسعار قديماً منخفضة، وكان كل شيء مُتوفراً، فيسمع مَنْ يرد عليه قائلاً: لقد كانت أياماً، أي: أنها أيام حدث الرخاء فيها.
إذن: فقد يُنسَب اليوم إلى الحدث الذي وقع فيه.
وهنا يقول الحق سبحانه:
{ فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ .. } [يونس: 102].
والذين خلوا منهم قوم نوح عليه السلام وقد أغرقهم الله سبحانه، وقوم فرعون الذين أغرقهم الله تعالى أيضاً.
والله سبحانه هو القائل:
{ { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [العنكبوت: 40].
وهذه أيام حدثت فيها أحداث يعلمونها، فهل هم ينتظرون أياماً مثل هذه؟
بالطبع ما كان يصحُّ لهم أن يستمرئوا الكفر، حتى لا تتكرر معهم مآسٍ كالتي حدثت لمن سبقهم إلى الكفر.
ونحن نجد في العامية المثل الفطري الذي ينطق بإيمان الفطرة، فتسمع من يقول: "لك يوم يا ظالم" أي: أن اليوم الذي ينتقم فيه الله تعالى من الظالم يصبح يوماً مشهوراً؛ لأن الظالم إنما يفتري على خلق الله؛ لذلك يأتي له الحق سبحانه بحدث ضخم يصيبه فيه الله تعالى ويذيقه مجموع ما ظلم الناسَ به.
وقول الحق سبحانه وتعالى:
{ .. قُلْ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } [يونس: 102].
وقوله هنا: { فَٱنْتَظِرُوۤاْ } فيه تهديد، وقوله: { إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } [يونس: 102] فيه بشارة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سينتظر هذا اليوم ليرى عذابهم، أما هو صلى الله عليه وسلم فسوف يتحقق له النصر في هذا اليوم.
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك:
{ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ... }.