التفاسير

< >
عرض

فَقَالُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٨٥
-يونس

خواطر محمد متولي الشعراوي

أي: أنهم استجابوا لدعوة موسى - عليه السلام - بمجرد قولهم: { عَلَىٰ ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا }.
وإذا تقدم الجار على المجرور فمعنى ذلك قَصْر وحَصْر الأمر، وهنا قصر وحصر التوكل على الله تعالى، ولا توكل على سواه.
ويأتي بعد ذلك دعاؤهم:
{ .. رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [يونس: 85].
والفتنة: اختبار، وهي - كما قلنا من قبل - ليست مذمومة في ذاتها، بل المذموم أن تكون النتيجة في غير صالح من يمر بالفتنة.
ويقال: فتنت الذهب، أي: صهرت الذهب، واستخلصته من كل الشوائب، ونحن نعلم أن صُنَّاع الذهب يخلطونه بعناصر أخرى؛ ليكون متماسكاً؛ لأن الذهب غير المخلوط بعناصر أخرى لا يتماسك.
والفتنة التي قالوا فيها:
{ .. رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [يونس: 85].
هي فتنة الخوف من أن يرتد بعضهم عن الإيمان لو انتصر عليهم فرعون وعذَّبهم، وكأنهم يقولون: يا رب لا تسلّط علينا فرعون بعذاب شديد.
هذا إن كانوا مفتونين، فماذا إن كانوا هم الفاتنين؟
إنهم في هذه الحالة لو لم يتبعوا الدين التتبع الحقيقي لما علم فرعون وآله أن هؤلاء الذين أعلنوا الإيمان هم مسلمون بحق، وهم لو انحرفوا عن الدين لقال عنهم آل فرعون: إنهم ليسوا أهل إيمان حقيقي.
ونجد سيدنا إبراهيم - عليه السلام - وهو أبو الأنبياء وله قدره العظيم في النبوة، يقول:
{ { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ .. } [الممتحنة: 5].
ودعوة إبراهيم عليه السلام تعلمنا ضرورة التمسك بتعاليم الدين؛ حتى لا ينظر أحد إلى المسلم أو المؤمن ويقول: هذا هو من يعلن الإيمان ويتصرف عكس تعاليم دينه.
ولذلك كان سيدنا إبراهيم - عليه السلام - يؤدي الأوامر بأكثر مما يطلب منه، ويقول فيه الحق سبحانه:
{ { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ .. } [البقرة: 124].
أي: أنه كان يتم كل عمل بنية وإتقان؛ لأنه أسوة، فلم يقم بعمل إيماني بمظهر سطحي.
إذن: فإن كانوا هم المفتونين، فهم يدفعون الفتنة عن أنفسهم، وإن كانوا هم الفاتنين؛ فعليهم التمسك بتعاليم الدين؛ حتى لا يتهمهم أحد بالتقصير في أمور دينهم، فيزداد الكافرون كفراً وضلالاً.
وجاء قول الحق سبحانه:
{ .. رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [يونس: 85].
ليدل على انشغالهم بأمر الدين، فاتنين أو مفتونين.
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك:
{ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ... }.