التفاسير

< >
عرض

وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ
٣٦
-هود

خواطر محمد متولي الشعراوي

ومجيء "إلا" هنا ليس للاستثناء، ولكنها اسم بمعنى "غير" أي: لن يؤمن من قومك غير الذي آمن.
ولهذا نظير في قمة العقائد حين قال الحق سبحانه:
{ { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا .. } [الأنبياء: 22].
و"إلا" هنا أيضاً بمعنى "غير"، ولو كانت "إلا" بمعنى الاستثناء لعنى ذلك أن الله سبحانه - معاذ الله - سيكون ضمن آلهة آخرين، لذلك لا يصلح هنا أن تكون "إلا" للاستثناء، بل هي بمعنى "غير"، وتفيد معنى الوحدانية لله عَزَّ وجَلَّ وتَفرُّده بالألوهية.
والآية التي نتناولها بخواطرنا تؤكد أنه لا يوجد غير من آمن بنوح - عليه السلام - من قومه، سوف يؤمن؛ فقد ختم الله المسألة.
وهذا يعطينا تبريراً لاجتراء نوح - عليه السلام - على الدعاء على الذين لم يؤمنوا من قومه بقوله:
{ { .. رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } [نوح: 26-27].
وكان تبرير ذلك أنه عليه السلام قد دعاهم إلى الإيمان زماناً طويلاً فلم يستجيبوا، وأوحى له الله تعالى أنهم لن يؤمنوا، وقال له سبحانه:
{ .. فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [هود: 36].
والابتئاس هو الحزن المحبط، وهم قد كفروا وليس بعد الكفر ذنب.
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك:
{ وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ... }.