التفاسير

< >
عرض

مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ
٥٥
-هود

خواطر محمد متولي الشعراوي

وقوله: { مِن دُونِهِ } أي: من دون الله، فهم قد عبدوا أصناماً من دون الله سبحانه، ومطلب هود عليه السلام منهم أن يكيدوا له جميعاً، وهم كثرة طاغية، وهو فرد واحد؛ وإن كادت الكثرة المتجبِّرة لواحد، فمن المتوقع أن يغلبوه، وهو - عليه السلام - هنا يتحداهم ويطلب منهم أن يعملوا كل مكرهم وكيدهم، وأن يقتلوه لو استطاعوا، وهذه قمة التحدي.
والتحدي هنا معجزة؛ لأنه ساعة يتحداهم فهو يعلم أن الله سبحانه وتعالى ينصره، وهو - عليه السلام - متأكد من قوله:
{ { أُشْهِدُ ٱللَّهَ .. } [هود: 54].
الذي قاله في الآية السابقة، ولا يمكن أن يرمي مثل هذا التحدي جزافاً، لأن الإنسان لا يجازف بحياته في كلمة.
وهو لم يَقُلْ: { فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } [هود: 55] إلا إذا كان قد آوى إلى ركن شديد، وإنه ينطق بالكلمة عن إيمان بأن الحق سبحانه سيهبه قدرة على نفاذ الكلمة.
وهو قد أشهد الله تعالى، والله سبحانه هو أول من شهد لنفسه، يقول الحق سبحانه:
{ { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ .. } [آل عمران: 18].
وكذلك شهدت الملائكة وأولو العلم، والله سبحانه وتعالى حين شهد لنفسه فإنما يطمئننا أنه إذا ألقى أمراً علم أنه مُنفَّذ لا محالة.
وقد أشهد هود عليه السلام ربَّه سبحانه، وهو واثق من حمايته له وما كان الحق سبحانه ليرسل رسولاً ليُمكِّن منه قوماً يُزيحوه من حركة الرسالة.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى ما جاء على لسان هود عليه السلام:
{ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ... }.