التفاسير

< >
عرض

قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ
٨٣
-يوسف

خواطر محمد متولي الشعراوي

الأمور التي تخالف الضمير؛ ويُستحى منها؛ ويُخشى مَغبَّتها؛ هي أمور تستعصي على النفس؛ وتحتاج النفس إلى علاج حتى تبرزها، وتحتاج إلى مَنْ يُيسّر لها، ما أن تُقدِم على فعل الأمر المستهجن، وهذا ما يُقال له: "سَوَّل".
وقول الحق سبحانه على لسان يعقوب:
{ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً .. } [يوسف: 83].
أي: يسَّرتْ لكم أنفسكم أمراً يصعب أن تقبله النفوس المستقيمة، وسبق أن قال يعقوب لحظةَ أنْ جاءوا له بقميص يوسف وعليه الدم الكاذب:
{ { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } [يوسف: 18].
وهنا طلب يعقوب عليه السلام العون مما يدل على أن ما قالوه، وكذلك أحداث القصة لن تقف عند هذا الحَدِّ، بل ستأتي من بعد ما قالوه أحداث تتطلب تجنيد قوى الصبر في النفس، وتتطلب معونة الله.
ويختلف الأمر هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها ما جاء بعد الحديث عن تسويل النفس، واستلهام الصبر من الله، فَهِبَات الفرج قد اقتربتْ، فقال:
{ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } [يوسف: 83].
في هذه الآية طلب الأمل الذي يوحي بالفرج، وقد كان.
وبعض من الذين تأخذهم الغفلة يتساءلون:
لماذا قال يعقوب:
{ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً .. } [يوسف: 83].
والغائب عنه هما يوسف وأخوه؟
ونقول: ولماذا تنسوْنَ كبير الإخوة الذي رفض أن يبرحَ مصر، إلا بعد أن يأذن له يعقوب، أو يفرج عنه الله؟
لقد غاب عن يعقوب ثلاثة من أولاده: يوسف وبنيامين وشمعون؛ لذلك قال:
{ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً .. } [يوسف: 83].
ولم يَقُلْ: يأتيني بهما.
ويُذيِّل الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله:
{ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } [يوسف: 83].
فالله سبحانه يعلم أين هم؛ لأنه العليم بكل شيء، وهو سبحانه حكيم فيما يُجريه علينا من تصرّفات.
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك:
{ وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ ... }.