التفاسير

< >
عرض

وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً
١٦
-الكهف

خواطر محمد متولي الشعراوي

هذا حديث الفتية بعضهم إلى بعض: ما دُمْنا اعتزلنا أهل الكفر، ونأيْنَا عن طريقهم، وسلكنا مسلكَ الإيمان بالله الذي يسَّره الله لنا، فهيا بنا إلى الكهف نلجأ إليه ونحتمي فيه فراراً بديننا، ومخافة أن يفتننا القوم عن ديننا.
ويلفتنا هنا إلى أن فرار هؤلاء الفتية ليس إلى بلد آخر فيه مُتّسع للحياة، بل إلى كهف ضيق في جبل في صحراء، وليس به مُقوّم من مُقوّمات الحياة؛ لذلك ينبهنا الحق سبحانه: إياك أن تقول: إن الكهف ضيق، وكيف يعيشون فيه؟ لأنهم مهاجرون إلى الله لاجئون إليه مُتوكّلون عليه.
لذلك قال بعدها: { يَنْشُرْ لَكُمْ .. } [الكهف: 16] فالضيق يقابلُه البَسْط والسّعة، لقد قالوا هذه الكلمة وهم واثقون في رحمة الله معتقدون أن الذي هاجروا إليه لن يُسلمهم ولن يخذلهم، وسوف يُوسِّع عليهم برحمته هذا الضيق، وقد وَسَّعه الله عليهم فعلاً حين أنامهم، أَلاَ ترى النائم يربع في الدنيا هنا وهناك لا تحدُّه حدود؟
ومن هذه السعة ما حدث في قصة نبي الله موسى - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - حينما تبعه فرعون بجنوده حتى قال أتباعه:
{ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ .. } [الشعراء: 61]، فقد ضاق عليهم الخناق حيث البحر من أمامهم، والعدو من خلفهم، ولا مهربَ لهم فيما يرون من واقع الأمر. فماذا قال موسى لقومه في هذا الموقف؟ قال بملء فيه قوْلَة الواثق من نصر الله: { كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [الشعراء: 62].
فجاءه التأييد من ربه في التوِّ واللحظة، وفُرّج عنه وعن أصحابه ما يُلاَقون من ضيق المخرج، فأوحى الله إليه:
{ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ .. } [الشعراء: 63].
كذلك هنا: { يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ .. } [الكهف: 16].
ثم يقول تعالى: { وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } [الكهف: 16] والمراد بالمرفق جمع مرافق، وهي مُقوّمات الحياة التي لا يستغني عنها الإنسان، فلما أنامهم الله أغناهم عن مرافق الحياة، لأنهم إنْ ظلوا في حال اليقظة فلا بُدَّ أنْ يحتاجوا إلى هذه المرافق.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ ... }.