التفاسير

< >
عرض

قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً
٢
-الكهف

خواطر محمد متولي الشعراوي

قوله: { قَيِّماً } أي: القرآن، وقالوا: قيِّم يعني مستقيم، كأنها تأكيد لقوله: { وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } [الكهف: 1] لأن الاستقامة والعِوَج قد لا يُدرك بالعين المجردة وتحتاج إلى ميزان دقيق يكشف لك مدى العِوَج أو الاستقامة، وهذه الظاهرة تراها في الطرق المستوية المرصوفة، والتي تراها للوَهْلة الأولى مستقيمة تماماً ومستوية، فإذا ما نزل المطر فضح هذا الاستواء وأظهر ما فيه من عيوب؛ لذلك أكّد الاستقامة بقوله: { قَيِّماً } [الكهف: 2].
ومن معاني القَيِّم: المهيمن على ما دونه، كما تقول: فلان قَيِّم على فلان أي: مُهيمن عليه وقائم على أمره. فالقرآن - إذن - لا عِوَج فيه، وهو أيضاً مُهيمن على الكتب السابقة وله الوصاية عليها كما قال تعالى:
{ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } [المائدة: 48].
ومنه قوله تعالى:
{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ٱلْقِيِّمِ } [الروم: 43] أي: المهيمن على الأديان السابقة.
ثم يقول تعالى: { لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ } [الكهف: 2].
وهذه هي العِلّة في الإنزال.
والإنذار: التخويف بشَرٍّ قادم، والمنْذَر هنا هم الكفار؛ لأنه لا يُنذَر بالعذاب الشديد إلا الكفار، لكن سياق الآية لم يذكرها ليترك مجالاً للملَكَة العربية وللذّهْن أنْ يعملَ، وأنْ يستقبلَ القرآن بفكر مُتفتح وعقل يستنبط، وليس بالضرورة أن يعطينا القرآنُ كلّ شيء هكذا على طرف الثُّمام أي قريباً سهل التناول.
ثم ضَخّم العذاب بأنه شديد، ليس ذلك وفقط بل { مِن لَّدُنهُ }، والعذاب يتناسب مع المعذِّب وقوته، فإنْ كان العذاب من الله فلا طاقة لأحدٍ به، ولا مهربَ لأحد منه.
ثم يقول تعالى: { وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ .. } [الكهف: 2] والبشارة تكون بالخير المنتظر في المستقبل، وتلاحظ أنه في البشارة ذكر المبشَّر { ٱلْمُؤْمِنِينَ } ولم يسكت عنهم كما سكت عن الكفار في الإنذار، فهذا من رحمة الله بنا حتى في الأسلوب، والبشارة هنا بالأجر الحسن؛ لأنه أجر من الكريم المتفضّل سبحانه؛ لذلك قال الحق سبحانه بعدها:
{ مَّاكِثِينَ فِيهِ ... }.