التفاسير

< >
عرض

قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
٣٣
-البقرة

خواطر محمد متولي الشعراوي

فالحق سبحانه وتعالى أراد أن يرد على ملاحظة الملائكة بالنسبة لخلق آدم وخلافته في الأرض، وأن الله سبحانه وتعالى في حكمته ما يخفي عليهم. ولذلك فهم لم يدركوا هذه الحكمة، وقبل أن يخلق الله آدم ويجعله خليفة في الأرض كان على علم بكل ما سيحدث من آدم وذريته حتى قيام الساعة. وبعد قيام الساعة. أما الملائكة، فهم لم يكونوا على علم بذلك. لأن هذا ليس عملهم. وكما قلنا: كُلُّ ميسَّر لما خُلِقَ له. ولذلك أراد الحق سبحانه وتعالى أن يعطي للملائكة الصورة بأنكم قد حكمتم على آدم إما من تجربة لجنس آخر عاش في الأرض، وإما من ضَرْبٍ بالغيب، والمقياسان غير صحيحين. ولذلك ميَّزَ الله سبحانه في هذه اللحظة آدم على الملائكة فعلَّمه أسماء المسميات كلها، ثم طلب من الملائكة أن يخبروه بهذه الأسماء. ولكنهم قالوا: إن العلم من الله وحده. وبما أن الله تعالى لم يعلّمهم الأسماء فإنهم لا يعرفونها. فطلب الله من آدم أن يخبرهم بأسماء هذه المسميات فأخبرهم بها. ولكنه لم يخبرهم بها بذاته ولا من قانونه. ولا بعلم عَلِمَه وحده. ولكنه أخبرهم بتعليم الله سبحانه وتعالى له. وفي ذلك يقول الله تعالى: { { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [يوسف: 76].
إذن، فَعِلْمُ آدم للأسماء كان بمشيئة الله سبحانه وتعالى. وهذه المشيئة وحدها هي التي جعلت آدم في ذلك الوقت يعلم ما لا تعلمه الملائكة .. وهنا رَدَّ الحق سبحانه وتعالى على قول الملائكة بأن آدم سيفسد في الأرض، فذكَّرهم الله تعالى بقوله: { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ .. } [البقرة: 33] أي أن الله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يعلم الغيب، والغيب هنا هو الغيب المطلق، فهناك غيب نسبي. قد تسرق حافظة نقودي مثلاً وأنا لا أعلم من الذي سرقها فهو غيب عني. ولكنه معلوم للذي سرق، وللذي سهَّل له طريقة السرقة بأن حرس له الطريق حتى يسرق دون أن يفاجئه أحد. وقد يكون قد صدر قرار هام بالنسبة لي كترقية أو فصل أو حكم. لم يصلني. فأنا لا أعلمه. ولكن الذي وَقَّع القرار أو الحكم يعلمه.
هذا الغيب النسبي، لا يعتبر غيباً. ولكن الغيب المطلق هو الذي ليس له مقدمات تنبئ عما سيحدث .. هذا الغيب الذي يفاجئك، ويفاجئ كل من حولك بلا مقدمات .. هذا الغيب لا يعلمه إلا الله وحده. وقوله تعالى: { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } [البقرة: 33] .. تعطينا هنا وقفة. هل الملائكة قالوا لله سبحانه وتعالى:
{ { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ .. } [البقرة: 30] هل قالها الملائكة فعلاً وجهراً، أم أنهم قالوها في أنفسهم ولم ينطقوا بها؟
قوله تعالى "وما كنتم تكتمون" تعطينا إشارة إلى أن الملائكة ربما قالوا هذا سراً. ولم يبدوه، وعلى أية حال سواء قالوه جهراً أو قالوه سراً. فقد عَلِمه الله؛ لأن الله جل جلاله بكل شيء محيط. ولا نريد لهذه النقطة أن تثير جدلاً .. لماذا؟ لأنه في الحالتين سواء في الجهر أو في الكتمان، فإن الموقف يتساوى عند علم الله سبحانه وتعالى .. فلا داعي للجدل لأنه لا خلاف.