التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ
٩٢
أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي
٩٣
-طه

خواطر محمد متولي الشعراوي

هذا حوار دار بين موسى وأخيه هارون { مَا مَنَعَكَ .. } [طه: 92] وقد وردتْ هذه الكلمة في القرآن بأُسْلوبين: الأول: قوله تعالى: { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ .. } [ص: 75] أي: ما منعك من السجود.
والآخر:
{ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ .. } [الأعراف: 12]. أي: ما منعك أن لا تسجد؛ لأن المانع قد يكون قَهْراً عنك، وأنت لا تريد أن تفعل، وقد يأتي آخر فيُقنِعك أن تفعل. فمَرّة يُرغِمك: أنت لا تريد أنْ تسجد يقول لك: اسجد. إذن: منعك أن تسجد يعني قهراً عنك، لكن أقنعك أن تسجد أنت باختيارك فقد منعك ألاَّ تسجد.
إذن: مرة من النفس، ومرة من الغير، وهكذا يلتقي الأسلوبان.
فقوله: { مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } [طه: 92-93] أي: من اتباعي، لكن هل موسى عليه السلام هنا يستفهم؟ الحقيقة أنه لا يريد الاستفهام، فقد تخاطب إنساناً بذنب، وأنت لا تعلم ذنبه، إنما تخاطبه بصورة الذَّنْب لتسمع الردَّ منه، فيكون رَدًَاً على مَنْ يعترض عليه.
ومن ذلك ما كان من سيدنا عمر - رضي الله عنه - عند الحجر الأسود، فلما قَبَّله قال: "اللهم إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنِّي رأيت رسول الله يُقبِّلك ما قبَّلتُك".
إذن: قبّله عمر؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبَّله، إلا أنه جاء بهذا الكلام ليعطينا الجواب المستمر على مَرِّ التاريخ لكل مَنْ يسأل عن تقبيل الحجر.
وهنا أثارها موسى شبهة؛ كي نسمع نحن الجواب، ولنسمع الردّ من صاحب الشأن باقياً سائراً في طول الأزمان.