التفاسير

< >
عرض

فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ
١٠٩
-الأنبياء

خواطر محمد متولي الشعراوي

{ فَإِن تَوَلَّوْاْ .. } [الأنبياء: 109] يعني: أعرضوا وانصرفوا { فَقُلْ آذَنتُكُمْ .. } [الأنبياء: 109] مادة: أذن ومنها الأذان تعني الإعلام بالشيء، والأصل في الإعلام كان في الأًذُن بالكلام، حيث لم يكُنْ عندهم قراءة وكتابة، فاعتمد الإعلام على الكلام، والسماع بالأذن، فمعنى: { آذَنتُكُمْ .. } [الأنبياء: 109] أعلمتُكم وأخبرتُكم.
وقوله تعالى: { عَلَىٰ سَوَآءٍ .. } [الأنبياء: 109] يعني: جاء الإعلام لكم جميعاً لم أخصّ أحداً دون الآخر، فأنتم في الإعلام سواء، لا يتميز منكم أحد على أحد؛ لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على إبلاغ الجميع، فيقول:
"نضَّر الله امْراً سمع مقالتي فوعاها، ثم أدَّاها إلى مَنْ لم يسمعها، فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع" وهكذا يشيع الخيْر ويتداول بين الجميع.
{ فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ .. } [الأنبياء: 109] فلم أُعْلِم قوماً دون قوم، ولم أُسْمِع أُذناً دون أُذن، وجعلت من كمال الإيمان أن يخبر السامع مَنْ لم يسمع؛ لأنه لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
ثم يُنبِّههم إلى أمر الساعة: { وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } [الأنبياء: 109] فانتبهوا وخُذوا بالكم، واحتاطوا، فلا أدري لعلَّ الساعةَ تكون قريباً، ولعلها تفاجئكم من قبل أنْ أُنهي كلامي معكم.
لذلك؛ لما سألوا أحد الصالحين: فِيمَ أفنيتَ عمرك؟ قال: "أفنيتُ عمري في أربعة أشياء: علمت أني لا أخلو من نظر الله طَرْفة عين فاستحييتُ أنْ أعصيه، وعلمتُ أن لي رزْقاً لا يتجاوزني قد ضمِنه الله لي فقنعتُ به، وعلمتُ أن عليَّ دَيْناً لا يؤديه عني غيري فاشتغلتُ به، وعلمتُ أن لي أَجَلاً يبادرني فبادرتُه".
إذن: فالمراد: استعدوا لهذه المسألة قبل أن تفاجئكم.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ ... }.