التفاسير

< >
عرض

وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ
٥٧
-الأنبياء

خواطر محمد متولي الشعراوي

بعد ما حدث منهم من لجج وجدال بالباطل أقسم إبراهيم عليه السلام { وَتَٱللَّهِ .. } [الأنبياء: 57] والتاء هنا للقسم { لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ .. } [الأنبياء: 57] وهل الأصنام تُكَاد؟ أم أن المراد: لأكيدنكم في أصنامكم؟ فالأصنام كمخلوق من مخلوقات الله تُسبِّح لله، وتشكر إبراهيم على هذا العمل.
وما أجملَ ما قاله الشاعر في هذا المعنى حين تكلَّم بلسان الأحجار في غار حراء وغار ثور، حيث كانت الحجارة تَغَارُ وتحسد حِراء؛ لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يتعبَّد به قبل البَعْثة، فحِراء شاهدُ تعبُّد لرسول الله يزهو بهذه الصحبة، فلما نزل رسول الله بغار ثور عند الهجرة فرح ثور؛ لأنه صار في منزلة حراء:

كَمْ حَسَدْنَا حِرَاءَ حِينَ تَرَىالرُّوحَ أميناً يغزُوك بالأَنْوارِ
فَحِرَاءُ وثَوْرٌ صَارَا سَواءًبهِمَا تشفع لدولةِ الأحْجَارِ
عَبَدُونَا ونحْنُ أعبَدُلله مِنَ القائِمينَ بالأسْحَارِ
تخِذُوا صَمْتَنَا عليْنَا دَليلاًفَغدَوْنا لَهُمْ وقُودَ النَّارِ

لأن الله قال: { { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ .. } [البقرة: 24].

قَدْ تَجَنَّوْا جَهْلاً كما قَدْتَجنَّوْهُ علَى ابْنِ مرْيَم والحَوارِي
لِلْمُغَالِي جَزَاؤُهُ والمغالَي فِيهِتُنجيهِ رَحْمةُ الغَفَّار

إذن: فتحطيم الأصنام ليس كَيْداً للأصنام، بل لعُبَّادها الذين يعتقدون فيها أنها تضرُّ وتنفع، وكأن إبراهيم - عليه السلام - يقيم لهؤلاء الدليل على بطلان عبادة الأصنام، الدليل العملي الذي لا يُدْفَع وكأن إبراهيم يقول بلسان الحال: حين أُكسِّر الأصنام إنْ كنتُ على باطل فليمنعُوني وليردّوا الفأْسَ من يدي، وإنْ كنتُ على حق تركوني وما أفعل.
وقوله تعالى: { بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } [الأنبياء: 57] أي: بعد أنْ تنصرفوا عنها. يعني: على حين غَفْلة منهم.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً ... }.