التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ
٧٣
-الأنبياء

خواطر محمد متولي الشعراوي

أئمة: ليس المقصود بالإمامة هنا السُّلْطة الزمنية من باطنهم، إنما إمامة القدوة بأمر الله { يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا .. } [الأنبياء: 73] فهم لا يصدرون في شيء إلا على هُدًى من الله.
وقوله تعالى: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ .. } [الأنبياء: 73] أي: يفتح لهم أبواب الخير ويُيسِّر لهم ظروفه؛ لأن الموفّق الذي يتوفر لديه الاستعداد للخير يفتح الله له مصارف الخير ويُعينه عليه.
{ وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ .. } [الأنبياء: 73] وإقامة الصلاة هي: عَيْن الخيرات كلها؛ لأن الخيرات نعمة، لكن إقامة الصلاة حضرة في جانب المنعِم سبحانه، فالصلاة هي خَيْر الخَيْر.
ومع ذلك نجد مَنْ يتشاغل عن الصلاة، ويعتذر بالعمل وعدم الوقت ... الخ وكلها أعذار واهية، فكنتُ أقول لبعض هؤلاء: بالله عليك لو احتجتَ دورة المياه أتجد وقتاً أم لا؟ يقول: أجد الوقت، فلماذا - إذن - تحتال في هذه المسألة وتدبر الوقت اللازم، ولا تحتال في وقت الصلاة؟
وربك عز وجل لو علم منك أنك تُجيب نداءه لَسهَّل لك الإجابة وقد رأينا الحق سبحانه يُسخِّر لك حتى الكافر ليعينك على أمر الصلاة.
ففي إحدى سفرياتنا إلى بلجيكا رأينا أن أولاد المسلمين هناك لا يدرسون شيئاً من الدين الإسلامي في المدارس، بل يُدرِّسون لهم الدين المسيحي، فطلبنا مقابلة وزير المعارف عندهم، وتكلمنا معه في هذا الأمر، وكانت حُجَّتنا أنكم قبلتُم وجود هؤلاء المسلمين في بلادكم لحاجتكم إليهم، وإسهامهم في حركة حياتكم، ومن مصلحتكم أن يكون عند هؤلاء المسلمين دين يراقبهم قبل مراقبتكم أنتم، وأنتم أوّلُ المستفيدين من تدريس الدين الإسلامي لأولاد المسلمين.
وفعلاً في اليوم التالي أصدروا قراراً بتدريس الدين الإسلامي في مدارسهم لأولاد المسلمين؛ ذلك لأن الإسلام دين مثمر، ودين إيجابي تضمنه وتأمنه.
فلأهمية الصلاة ذكرها الحق سبحانه في أول أفعال الخيرات، وفي مقدمتها، فقمّة الخيرات أنْ تتواجد مع الإله الذي يهبُكَ هذه الخيرات.
{ وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ .. } [الأنبياء: 73] والزكاة تطبيق عمليٌّ للاستجابة لله حين تُخرج جزءاً من مالك لله، والصلاة دائماً ما تُقرَن بالزكاة، فالعلاقة بينهما قوية، فالزكاة تضحية بجزء من المال، والمال في الحقيقة نتيجة العمل، والعمل فرع الوقت، أما الصلاة فهي تضحية بالوقت ذاته.
وقوله تعالى: { وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ } [الأنبياء: 73] أي: مطيعين لأوامرنا، مجتنبين لنواهينا، فالعبادة طاعة عابد لمعبوده.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ... }.