التفاسير

< >
عرض

وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ
٧٤
-الأنبياء

خواطر محمد متولي الشعراوي

{ وَلُوطاً .. } [الأنبياء: 74] جاءتْ منصوبة؛ لأنها معطوفة على قوله تعالى: { { وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ .. } [الأنبياء: 51] وأيضاً: آتينا لوطاً رشده. والحُكْم: يعني الحكمة، وأصله من الحكمة التي تُوضَع في حنك الفَرَس؛ لأن الفَرس قد يشرد بصاحبه أو يتجه إلى جهة غير مرادة لراكبه؛ لذلك يوضع في حنكه اللجام أو الحَكمة، وهي قطعة من الحديد لها طرفان، يتم توجيه الفرس منهما يميناً أو شمالاً.
ومن ذلك الحِكْمة، وهي وَضْع الشيء في موضعه، ومنه الحُكْم، وهو: وضع الحقَ في مَوْضعه من الشاكي أو المشكو أي: الخصمين.
{ وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً .. } [الأنبياء: 74] وفرْقٌ بين العِلْم والحكم: العلم أن تُحقِّق وتعرف، أمَّا الحكم فسلوك وتطبيق لما تعلم، فالعلم تحقيق والحكم تطبيق.
ثم يقول تعالى: { وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ .. } [الأنبياء: 74] فقد نجَّى الله إبراهيم عليه السلام من النار، وكذلك نجَّى لوطاً من أهل القرية التي كانت تعمل الخبائث، والخبائث في قوم لوط معروفة.
لذلك يقول بعدها: { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } [الأنبياء: 74] ورجل السَّوءْ هو الذي يسوء كل مَنْ يخالطه، لا يسوء البعض دون البعض، فكل مَنْ يخالطه أو يحتكّ به يسؤوه.
والفِسْق: الخروج عن أوامر التكليف، وهذا التعبير ككُلِّ التعابير القرآنية مأخوذ من واقعيات الحياة عند العرب، فأصل الفِسْق من فَسَقتِ الرُّطبة عن قشرتها حين تستوي البلحة فتنفصل عنها القشرة حتى تظهر منها الرُّطبة، وهذه القشرة جُعِلَتْ لتؤدي مهمة، وهي حِفْظ الثمرة، كذلك نقول في الفسق عن المنهج الديني الذي جاء ليؤدي مهمة في حياتنا، فمَنْ خرج عنه فهو فاسق.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ ... }.