التفاسير

< >
عرض

يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ
١٣
-الحج

خواطر محمد متولي الشعراوي

الآية السابقة تثبت أنه يدعو مَا لا يضُرُّه ومَا لا ينفعه، وهذه الآية تُثبت أنه يدعو مَنْ ضَرُّه أقرب من نَفْعه.
صيغة أفعل التفضيل (أقرب) تدل على أن شيئين اشتركا في صفة واحدة، إلا أن أحدهما زاد عن الآخر في هذه الصفة، فلو قُلْتَ: فلان أحسن من فلان. فهذا يعني أن كلاهما حَسَن، لكن زاد أحدهما عن الآخر في الحُسْن.
فقوله تعالى: { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ .. } [الحج: 13] إذن: هناك نَفْع وهو قريب، لكن الضر أقرب منه، فهذه الآية في ظاهرها تُناقِض الآية السابقة، والحقيقة ليس هناك تناقض، ولا بُدَّ أنْ نفهمَ هذه المسألة في ضوء قوله تعالى:
{ { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } [النساء: 82].
فالأوثان التي كانوا يعبدونها كان لها سَدَنة يتحكَّمون فيها وفي عابديها، فإذا أرادوا من الآلهة شيئاً قالوا للسدنة: ادعوا الآلهة لنا بكذا وكذا، إذن: كان لهم نفوذ وسُلْطة زمنية، وكانوا هم الواسطة بين الأوثان وعُبَّادها، هذه الواسطة كانت تُدِرُّ عليهم كثيراً من الخيرات وتعطيهم كثيراً من المنافع، فكانوا يأخذون كل ما يُهْدَى للأوثان.
فالأوثان - إذن - سبب في نَفْع سدنتها، لكن هذا النفع قصاراه في الدنيا، ثم يتركونه بالموت، فمدة النفع قصيرة، وربما أتاه الموت قبل أنْ يستفيد بما أخذه، وإنْ جاء الموت فلا إيمانَ ولا عملَ ولا توبةَ، وهذا معنى { ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ .. } [الحج: 13].
لذلك يقول تعالى بعدها: { لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } [الحج: 13] كلمة (بئس) تُقَال للذم وهي بمعنى: ساء وقَبُح، والموْلَى: الذي يليك ويقرُب منك، ويُراد به النافع لك؛ لأنك لا تقرِّب إلا النافع لك، إما لأنه يعينك وقت الشدة، ويساعدك وقت الضيق، وينصرك إذا احتجتَ لِنُصْرته، وهذا هو الوليُّ.
وإما أنْ تُقرِّبه منك؛ لأنه يُسليك ويجالسك وتأنس به، لكنه ضعيف لا يقوى على نُصْرتك، وهذا هو العشير.
والأصنام التي يعبدونها بئست المولى؛ لأنها لا تنصرهم وقت الشدة، وبئست العشير؛ لأنها لا تُسليهم، ولا يأنسون بها في غير الشدة.
ثم يقول الحق سبحانه:
{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ ... }.