التفاسير

< >
عرض

ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٥٦
-الحج

خواطر محمد متولي الشعراوي

ولقائل أنْ يقول: أليس الملْك لله يومئذ، وفي كل يوم؟ نعم، الملْك لله في الدنيا وفي الآخرة، لكن في الدنيا خلق الله خَلْقاً وملّكهم، وجعلهم ملوكاً من باطن مُلْكه تعالى، لكنه مُلْك لا يدوم، كما قال سبحانه: { { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران: 26].
إذن: ففي الدنيا ملوك مَلّكهم الله أمراً من الأمور، ففيها ملك للغير، أمّا في الآخرة فالملْك لله تعالى وحده:
{ { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر: 16].
وفي القيامة { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ .. } [الحج: 56] فقد رَدَّ الملْك كله إلى صاحبه، ورُدَّت الأسباب إلى مُسبِّبها.
ومعنى { يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ .. } [الحج: 56] أن هناك خصومةً بين طرفين، أحدهما على حق، والآخر على باطل، والفَصْل في خصومات الدنيا تحتاج إلى شهود، وإلى بينة، وإلى يمين فيقولون في المحاكم: البينة على المدَّعي واليمين على مَنْ أنكر، هذا في خصومات الدنيا، أما خصومات الآخرة فقاضيها الحق - سبحانه وتعالى - الذي يعلم السرَّ وأخفى، فلا يحتاج إلى بينة ولا شهود ولا سلطة تُنفِّذ ما حكم به.
محكمة الآخرة لا تحتاج فيها إلى مُحامٍ، ولا تستطيع فيها أنْ تُدلِّس على القاضي، أو تُؤجِّر شاهد زور، لا تستطيع في محكمة الآخرة أن تستخدم سلطتك الزمنية فتنقض الحكم، أو تُسقطه؛ لأن الملْك يومئذ لله وحدة، والحكم يومئذ لله وحدة، هو سبحانه القاضي والشاهد والمنفِّذ، الذي لا يستدرك على حكمه أحد.
وما دام هناك حكومة، فلا بُدَّ أن تسفر عن محكوم له ومحكوم عليه، ويُوضِّحهما قوله تعالى: { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } [الحج: 56].
وهؤلاء هم الفائزون الذين جاء الحكم في صالحهم.