التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٥١
-النور

خواطر محمد متولي الشعراوي

فما دُمْت قد آمنتَ، والإيمان لا يكون إلا عن رغبة واختيار لا يجبرك أحد عليه، فعليك أن تحترم اختيار نفسك بأنْ تطيعَ هذا الاختيار، وإلا سفَّهتَ رأيك واختيارك، لذلك كان حال المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله أن يقولوا: سمعنا وأطعنا.
ولو تأملتَ الكون من حولك لوجدتَهُ يسير على هذه القاعدة، فما دون الإنسان في كَوْن الله مُسيَّر لا مُخيَّر، وإنْ كان الأصل أنه خُيِّر أولاً، فاختار أن يكون مُسيّراً من البداية، وأراح نفسه، كما قال سبحانه:
{ { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا .. } [الأحزاب: 72].
وتصدير الآية الكريمة بـ (إنما) يدل على أنها سبقها مقابل، هذا المقابل على النقيض لما يجيء بعدها، فالمنافقون أعرضوا وردُّوا حكم الله ورسوله، والمؤمنون قالوا سمعنا وأطعنا، كما تقول: فلان كسول إنما أخوه مُجِدٌّ. فقول المنافقين أنهم لا يقبلون حكم الله ورسوله، أمّا المؤمنون فيقبلون حكْم الله ورسوله.
ومعنى { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا .. } [النور: 51] يعني: سمعنا سمعاً واعياً يليه إجابة وطاعة، لا مجرد أنْ يصل الصوت إلى أذن السامع دون أن يُؤثر فيه شيء.
ويقول تعالى في موضع آخر:
{ وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ .. } [المائدة: 83].
فالسمع له وظيفة، وهو هنا بمعنى: أجَبْنا يا رب، وصممنا على الإجابة، وهذا وعد كلامي يتبعه تنفيذ وطاعة. مثل قولنا في الصلاة: سمع الله لمن حمده، يعني: أجاب الله مَنْ حمده.
{ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [النور: 51] المفلحون: الفائزون الذين بلغوا درجة الفلاح، ومن العجيب أن يستخدم الحق سبحانه كلمة الفلاح، وهي من فلاحة الأرض؛ لأن الفلاحة في الأرض هي أصل الاقتيات، وكل مَنْ أتقن فلاحة أرضه جاءت عليه بالثمرة الطيبة، وزاد خيره، وتضاعف محصوله، حتى إن حبة القمح تعطي سبعمائة حبة، فإذا كانت الأرض وهي مخلوقة لله تعالى تعطي من يزرعها كل هذا العطاء، فما بالك بخالق الأرض كيف يكون عطاؤه؟
ثم يقول الحق سبحانه:
{ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ... }.