التفاسير

< >
عرض

يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً
٢٨
-الفرقان

خواطر محمد متولي الشعراوي

الويل: الهلاك، فهو يدعو الهلاك ويناديه أنْ يحلّ به، والإنسان لا يطلب الهلاك لنفسه إلا إذا تعرّض لعذاب أشدّ من الهلاك، كما قال أحدهم:

* أَشَدُّ من السّقم الذي يُذهِب السّقما *

وقول الشاعر:

كَفَى بِكَ دَاءً أنْ تَرَى الموْتَ شَافِياً وحَسْبُ المنَايَا أنْ يكُنَّ أَمَانِيَا

فلما كانت المسألةُ أكبر منه وفوق احتماله نادى يا ويلتي احضري، فهذا أوانك لتُخلِّصيني مما أنا فيه من العذاب.
وقوله { لَيْتَنِي .. } [الفرقان: 28] تَمَنٍّ، والتمنّي طلب أمر محبوب لا سبيلَ إلى حصوله، كما قال الشاعر في التمني:

لَيْتَ الكَواكِبَ تَدْنُو لِي فَأَنظِمَهَا عُقودَ مَدْحٍ فَمَا أَرْضَى لكُمْ كَلمِي

وهذا أمر لا يمكن أنْ يُنال.
وآخر يقول:

فيا لَيْتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوْماً فَأُخبرَه بِمَا فعَل المشيبُ

فقصارى ما يعطيه أسلوب التمني أنه يدلّ على أمر محبوب، كنت أحب أن يحدث، لكن أيحدث بالفعل؟ لا.
وكلمة (فلان) تقولها كناية عن شخص لا تحب حتى ذِكْر اسمه، فعقبة (ابن أبي مُعيط) لم يقل: ليتني لم أتخذ أمية (بن خلف) خليلاً إنما قال (فلاناً) لأنه كاره له يبغض حتى ذكر اسمه.
والخليل: من الخُلَّة والمخالَّة يعني: الصداقة المتداخلة المتبادلة وفي ذلك يقول الشاعر:

وَلَمَّا التقَيْنَا قَرَّبَ الشَّوْقُ جَهْده خَليليْنِ ذَابَا لَوْعَةً وعِتَابَا
كأنَّ خَلِيلاً في خِلاَلِ خَلِيلهِ تَسرَّب أَثْنَاءَ العِنَاقِ وغَابَا

ثم ذكر علة ذلك:
{ لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ ... }.